وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ والذين آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ ﴾
يريد من بعد الحُدَيْبِية وبيعة الرضوان.
وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقلّ رتبة من الهجرة الأُولى.
والهجرة الثانية هي التي وقع فيها الصلح، ووضعت الحرب أوزارها نحو عامين ثم كان فتح مكة.
ولهذا قال عليه السلام :" لا هجرة بعد الفتح " فبيّن أن من آمن وهاجر من بعدُ يلتحق بهم.
ومعنى "منكم" أي مثلكم في النّصر والموالاة.
السادسة قوله تعالى :﴿ وَأْوْلُواْ الأرحام ﴾ ابتداء.
والواحد ذو، والرّحِم مؤنثة، والجمع أرحام.
والمراد بها هاهنا العصبات دون المولود بالرحم.
ومما يبيّن أن المراد بالرحِم العصبات قول العرب : وَصَلَتْك رَحِم.
لا يريدون قرابة الأُمّ.
قالت قُتيلة بنت الحارث أُخت النضر بن الحارث كذا قال ابن هشام.
قال السهيليّ : الصحيح أنها بنت النضر لا أُخته، كذا وقع في كتاب الدلائل ترثي أباها حين قتله النبيّ ﷺ صَبْراً بالصفراء :
يا راكباً إن الأُثيل مِظنّةٌ...
من صُبح خامسةٍ وأنت مُوَفَّقُ
أبلِغ بها مَيْتاً بأن تحيّة...
ما إن تزال بها النجائب تخفِقُ
منّي إليك وعبرةٌ مسفوحةٌ...
جادت بواكفِها وأُخرى تخنقُ
هل يسمَعني النّضُر إن ناديتُه...
أم كيف يسمع ميّت لا ينطق
أمحمدٌ يا خيرَ ضِنْءِ كريمةٍ...
في قومها والفحلُ فحلٌ مُعرِق
ما كان ضرّك لو مننْتَ وربّما...
مَنّ الفتى وهو المَغِيظ المُحْنَق
لو كنتَ قابلَ فدية لفديتُه...
بأعزَّ ما يُفْدى به ما يُنْفِق
فالنّضرُ أقربُ مَن أسَرْتَ قرابةً...
وأحقُّهم إن كان عِتق يُعتَق
ظلّت سيوفُ بني أبيه تَنوشُه...
للَّه أرحام هناك تُشقَّق
صَبْراً يُقاد إلى المنّية مُتْعَباً...
رَسْفَ المُقَيَّد وهو عانٍ مُوثَق


الصفحة التالية
Icon