تمسك أصحاب أبي حنيفة رحمه الله بهذه الآية، في توريث ذوي الأرحام، وأجاب أصحابنا عنه بأن قوله :﴿وَأُوْلُواْ الارحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ﴾ مجمل في الشيء الذي حصلت فيه هذه الأولوية، فلما قال :﴿فِى كتاب الله﴾ كان معناه في الحكم الذي بينه الله في كتابه، فصارت هذه الأولوية مقيدة بالأحكام التي بينها الله في كتابه، وتلك الأحكام ليست إلا ميراث العصبات.
فوجب أن يكون المراد من هذا المجمل هو ذلك فقط فلا يتعدى إلى توريث ذوي الأرحام.
ثم قال في ختم السورة :﴿أَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ﴾ والمراد أن هذه الأحكام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكمة وصواب وصلاح، وليس فيها شيء من العبث والباطل، لأن العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلا بالصواب.
ونظيره أن الملائكة لما قالوا :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ وَيَسْفِكُ الدماء﴾ قال مجيباً لهم :﴿إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] يعني لما علمتم كوني عالماً بكل المعلومات، فاعلموا أن حكمي يكون منزهاً عن الغلط كذا ههنا. والله أعلم.
تم تفسير هذه السورة ولله الحمد والشكر، كما هو أهله ومستحقه.
يوم الأحد في رمضان سنة إحدى وستمائة في قرية يقال لها بغدان.
ونسأل الله الخلاص من الأهوال وشدة الزمان، وكيد أهل البغي والخذلان، إنه الملك الديان.
وصلاته وسلامه على حبيب الرحمن، محمد المصطفى صاحب المعجزات والبرهان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٥ صـ ١٦٩ ـ ١٧١﴾