فصل
قال الفخر :
﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال الليث : يقال : سلخت الشهر إذا خرجت منه، وكشف أبو الهيثم عن هذا المعنى فقال : يقال : أهللنا هلال شهر كذا، أي دخلنا فيه ولبسناه، فنحن نزداد كل ليلة إلى مضي نصفه لباساً منه، ثم نسلخه عن أنفسنا بعد تكامل النصف منه جزءاً فجزءاً، حتى نسلخه عن أنفسنا وأنشد :
إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله.. كفى قائلاً سلخي الشهور وإهلالي
وأقول تمام البيان فيه أن الزمان محيط بالشيء وظرف له، كما أن المكان محيط به وظرف له ومكان الشيء عبارة عن السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر ومن الجسم المحوي فإذا انسلخ الشيء من جلده فقد انفصل من السطح الباطن من ذلك الجلد وذلك السطح، وهو مكانه في الحقيقة فكذلك إذا تم الشهر فقد انفصل عن إحاطة ذلك الشهر به، ودخل في شهر آخر، والسلخ اسم لانفصال الشيء عن مكانه المعين، فجعل أيضاً اسماً لانفصاله عن زمانه المعين، لما بين المكان والزمان من المناسبة التامة الشديدة.
وأما الأشهر الحرم فقد فسرناها في قوله :﴿فَسِيحُواْ فِى الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [ التوبة : ٢ ] وهي يوم النحر إلى العاشر من ربيع الآخر، والمراد من كونها حرماً، أن الله حرم القتل والقتال فيها.
ثم إنه تعالى عند انقضاء هذه الأشهر الحرم أذن في أربعة أشياء : أولها : قوله :﴿واقتلوهم حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [ النساء : ٨٩ ] وذلك أمر بقتلهم على الإطلاق، في أي وقت، وأي مكان.
وثانيها : قوله :﴿وَخُذُوهُمْ﴾ أي بالأسر، والأخيذ الأسير.
وثالثها : قوله :﴿واحصروهم﴾ معنى الحصر المنع من الخروج من محيط.
قال ابن عباس : يريد إن تحصنوا فاحصروهم.
وقال الفراء : حصرهم أن يمنعوا من البيت الحرام.