ورابعها : قوله تعالى :﴿واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ والمرصد الموضع الذي يرقب فيه العدو من قولهم : رصدت فلاناً أرصده إذا ترقبته، قال المفسرون : المعنى اقعدوا لهم على كل طريق يأخذون فيه إلى البيت أو إلى الصحراء أو إلى التجارة، قال الأخفش في الكلام محذوف والتقدير : اقعدوا لهم على كل مرصد.
ثم قال تعالى :﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلووا سبيلهم﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
احتج الشافعي رحمه الله بهذه الآية على أن تارك الصلاة يقتل، قال لأنه تعالى أباح دماء الكفار مطلقاً بجميع الطرق، ثم حرمها عند مجموع هذه الثلاثة، وهي التوبة عن الكفر، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فعندما لم يوجد هذا المجموع، وجب أن يبقى إباحة الدم على الأصل.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون المراد الإقرار بهما واعتقاد وجوبهما ؟ والدليل عليه أن تارك الزكاة لا يقتل.
أجابوا عنه : بأن ما ذكرتم عدول عن الظاهر، وأما في تارك الزكاة فقد دخله التخصيص.
فإن قالوا : لم كان حمل التخصيص أولى من حمل الكلام على اعتقاد وجوب الصلاة والزكاة ؟
قلنا : لأنه ثبت في أصول الفقه أنه مهما وقع التعارض بين المجاز وبين التخصيص، فالتخصيص أولى بالحمل.
المسألة الثانية :
نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول : في مانعي الزكاة لا أفرق بين ما جمع الله، ولعل مراده كان هذه الآية، لأنه تعالى لم يأمر بتخلية سبيلهم إلا لمن تاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فأوجب مقاتلة أهل الردة لما امتنعوا من الزكاة وهذا بين إن جحدوا وجوبها أما إن أقروا بوجوبها وامتنعوا من الدفع إليه خاصة، فمن الجائز أنه كان يذهب إلى وجوب مقاتلتهم من حيث امتنعوا من دفع الزكاة إلى الإمام.
وقد كان مذهبه أن ذلك معلوم من دين الرسول عليه السلام كما يعلم سائر الشرائع الظاهرة.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon