فصل


قال الفخر :
وأما قوله :﴿فَسِيحُواْ فِى الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾
ففيه أبحاث :
الأول : أصل السياحة الضرب في الأرض والاتساع في السير والبعد عن المدن وموضع العمارة مع الإقلال من الطعام والشراب.
يقال للصائم سائح لأنه يشبه السائح لتركه المطعم والمشرب.
قال المفسرون :﴿فَسِيحُواْ فِى الأرض﴾ يعني اذهبوا فيها كيف شئتم وليس ذلك من باب الأمر، بل المقصود الإباحة والإطلاق والإعلام بحصول الأمان وإزالة الخوف، يعني أنتم آمنون من القتل والقتال في هذه المدة.
البحث الثاني : قال المفسرون : هذا تأجيل من الله للمشركين أربعة أشهر، فمن كانت مدة عهده أكثر من أربعة أشهر حطه إلى الأربعة، ومن كانت مدته أقل من أربعة أشهر رفعه إلى الأربعة والمقصود من هذا الإعلام أمور : الأول : أن يتفكروا لأنفسهم ويحتاطوا في هذا الأمر، ويعلموا أنه ليس لهم بعد هذه المدة إلا أحد أمور ثلاثة : إما الإسلام أو قبول الجزية أو السيف، فيصير ذلك حاملاً لهم على قبول الإسلام ظاهراً.
والثاني : لئلا ينسب المسلمون إلى نكث العهد، والثالث : أراد الله أن يعم جميع المشركين بالجهاد، فعم الكل بالبراءة وأجلهم أربعة أشهر، وذلك لقوة الإسلام وتخويف الكفار، ولا يصح ذلك إلا بنقض العهود.
والرابع : أراد النبي ﷺ أن يحج في السنة الآتية، فأمر بإظهار هذه البراءة لئلا يشاهد العراة.
البحث الثالث : قال ابن الأنباري : قوله :﴿فَسِيحُواْ﴾ القول فيه مضمر والتقدير : فقل لهم سيحوا أو يكون هذا رجوعاً من الغيبة إلى الحضور كقوله :﴿وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾ [ الإنسان : ٢١، ٢٢ ].


الصفحة التالية
Icon