ولما ذكرهم بالخيانة عامة وخاصة، أتبعها ما حققها بالقتال فقال :﴿وهم بدءوكم﴾ أي بتطابق من ضمائرهم وظواهرهم ﴿أول مرة﴾ أي بالقتال والصد في الحديبية بعد إخباركم إياهم بأنكم لم تجيئوا للقتال وأنكم ما جئتم إلا زواراً للبيت الحرام الذي الناس فيه سواء وأنتم أحق به منهم، وذلك أول بالنسبة إلى هذا الثاني مثل قوله ﴿إنكم رضيتم بالقعود أول مرة﴾ وقال بعض المفسرين : المراد بأول مرة قتالهم خزاعة، وهو واضح لأنه بعد عقد الصلح، وقيل : في بدر بعد ما سلمت عيرهم وقالوا : لا نرجع حتى نستأصل محمداً وأصحابه، وقيل : المراد به مطلق القتال لأن النبي ـ ﷺ ـ جاءهم بالكتاب المنير ودعاهم بغاية اللين، وتحداهم به عند التكذيب، فعدلوا عن ذلك إلى القتال فهم البادئون البادىء أظلم.
ولما أمرهم بالقتال وكان مكرهاً إلى النفوس على كل حال.
شرع يبين الأسباب الحاملة على التواني عن قتالهم، وحصرها في في الخشية والعاطفة، وقسم العاطفة إلى ما سببه القرب في محاسن الأفعال وإلى ما سببه القرب في النسب والصهر، ونقض الكل وبين أنه لا شيء منها يصلح للسببية، فقال بادئاً بالخشية لأنها السبب الأعظم في ترك المصادمة منكراً عليهم موبخاً لهم ليكون أبلغ في الحث على قتالهم منبهاً على أن التواني عنهم مصحح للوصف بالجبن ورقة الدين :﴿أتخشونهم﴾ أي أتخافون أن يظفرون بكم في القتال بأن يكونوا على باطلهم أشد منكم على حقكم ﴿فالله﴾ أي الذي له مجامع العظمة ﴿أحق﴾ أي منهم ﴿أن تخشوة﴾ أي بأن يكون مخشياً لكم لما تعلمون من قدرته في أخذه لمن خالفه ولو بعد طول الأناة ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ أي فإن من صدق بانه الواحد الذي تفرد بصفات العظمة لم ينظر إلى غير هيبته. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٢٧٧ ـ ٢٧٩﴾