وقال القرطبى :
﴿ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ﴾
دليل على أن غيظهم كان قد اشتد.
وقال مجاهد : يعني خُزاعة حلفاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكلّه عطف، ويجوز فيه كله الرفع على القطع من الأوّل.
ويجوز النصب على إضمار ( أن ) وهو الصرف عند الكوفيين ؛ كما قال :
فإن يَهْلِك أبو قابوس يَهِلكْ...
ربيعُ الناس والشهرُ الحرامُ
ونأخذَ بعده بِذِناب عيش...
أَجَبّ الظَّهر ليس له سَنام
وإن شئت رفعت "ونأخذ" وإن شئت نصبته.
والمراد بقوله :﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ بنو خُزاعة ؛ على ما ذكرنا عن مجاهد.
فإن قريشاً أعانت بني بكر عليهم، وكانت خزاعة حلفاء النبيّ صلى الله عليه وسلم.
فأنشد رجل من بني بكر هجاء رسول الله ﷺ، فقال له بعض خزاعة : لئن أعدته لأكسرنّ فَمَك ؛ فأعاده فكسر فاه وثار بينهم قتال ؛ فقتلوا من الخزاعيّين أقواماً، فخرج عمرو بن سالم الخزاعيّ في نفر إلى النبيّ ﷺ وأخبره به، فدخل منزل ميمونة وقال ؛ " اسكبوا إليّ ماء " فجعل يغتسل وهو يقول :" لانُصِرتُ إن لم أَنْصر بني كعب " ثم أمر رسول الله ﷺ بالتجهّز والخروج إلى مكة فكان الفتح.
قوله تعالى :﴿ وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ ﴾ القراءة بالرفع على الاستئناف ؛ لأنه ليس من جنس الأوّل.
ولهذا لم يقل "ويتُبْ" بالجزم ؛ لأن القتال غير موجب لهم التوبة من الله جلّ وعزّ.
وهو موجب لهم العذاب والخزي، وشفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم ونظيره :"فَإنْ يَشَإ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ" تَم الكلام.
ثم قال :﴿ وَيَمْحُ الله الباطل ﴾ [ الشورى : ٢٤ ].
والذين تاب الله عليهم مثل أبي سفيان وعِكرمة بن أبي جهل وسليم بن أبي عمرو ؛ فإنهم أسلموا.
وقرأ ابن أبي إسحاق "وَيَتُوبَ" بالنصب.