فصل


قال الفخر :
﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ﴾
اعلم أن قوله :﴿كَيْفَ﴾ تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، وحذف الفعل كونه معلوماً أي كيف يكون عهدهم وحالهم أنهم إن يظهروا عليكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق لم ينظروا إلى حلف ولا عهد ( ولم يبقوا عليكم ) هذا هو المعنى، ولا بد من تفسير الألفاظ المذكورة في الآية يقال : ظهرت على فلان إذا علوته، وظهرت على السطح إذا صرت فوقه.
قال الليث : الظهور الظفر بالشيء.
وأظهر الله المسلمين على المشركين أي أعلاهم عليهم ومنه قوله تعالى :﴿فَأَصْبَحُواْ ظاهرين﴾ [ الصف : ١٤ ] وقوله :﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ﴾ [ التوبة : ٣٣ ] أي ليعليه، وتحقيق القول فيه أن من غلب غيره حصلت له صفة كمال، ومن كان كذلك أظهر نفسه ومن صار مغلوباً صار كالناقص، والناقص لا يظهر نفسه ويخفي نقصانه فصار الظهور كناية للغلبة لكونه من لوازمها فقوله :﴿إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ﴾ يريد أن يقدروا عليكم وقوله :﴿لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ﴾ قال الليث : رقب الإنسان يرقبه رقبة ورقوباً وهو أن ينتظره ورقيب القوم حارسهم وقوله :﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى﴾ [ طه : ٩٤ ] أي لم تحفظه، أما الأول ففيه أقوال : الأول : أنه العهد قال الشاعر :
وجدناهم كاذباً إلهم.. وذو الإل والعهد لا يكذب
يعني العهد الثاني : قال الفراء : الإل القرابة.
قال حسان :
لعمرك أن إلك من قريش.. كإل السقب من رأل النعام
يعني القرابة والثالث الإل الحلف.
قال أوس بن حجر :
لولا بنو مالك والإل مرقبه.. ومالك فيهم الآلاء والشرف
يعني الحلف.


الصفحة التالية
Icon