والمعنى : كيف يكون للمشركين عهد عند الله يأمنون به من عذابه، وقيل : معنى الآية : محال أن يثبت لهؤلاء عهد، وهم أضداد لكم مضمرون للغدر، فلا يطمعوا في ذلك ولا يحدّثوا به أنفسهم، ثم استدرك، فقال :﴿ إِلاَّ الذين عاهدتم عِندَ المسجد الحرام ﴾ أي : لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام، ولم ينقضوا ولم ينكثوا فلا تقاتلوهم، فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم ﴿ فاستقيموا لَهُمْ ﴾ قيل : هم بنو بكر، وقيل : بنو كنانة وبنو ضمرة، وفي "ما" وجهان : أحدهما : أنها مصدرية زمانية، والثاني : أنها شرطية، وفي قوله :﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين ﴾ إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين، فيكون تعليلاً للأمر بالاستقامة.
قوله :﴿ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ﴾ أعاد الاستفهام التعجيبي للتأكيد والتقرير، والتقدير : كيف يكون لهم عهد عند الله وعند رسوله؟ والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم ﴿ لاَ يَرْقُبُواْ ﴾ أي : لا يراعوا فيكم ﴿ إِلا ﴾ : أي عهداً ﴿ وَلاَ ذِمَّةً ﴾.
قال في الصحاح : الإلّ العهد والقرابة : ومنه قول حسان :
لعمرك أن إلك من قريش... كإلّ السقب من رئل النعام
قال الزجاج : الإلّ عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدة، ومنه الإلة للحربة، ومنه أذن مؤللة : أي محددة، ومنه قوله طرفة بن العبد يصف ناقته بالحدة والانتصاب :
مؤللتان يعرف العنق منهما... كسامعتي شاة بحومل مفرد
قال أبو عبيدة : الإلّ العهد، والذمة والنديم.
وقال الأزهري : هو اسم لله بالعبرانية، وأصله من الأليل، وهو البريق، يقال ألّ لونه يوّلّ إلا : أي صفا ولمع، والذمة العهد، وجمعها ذمم، فمن فسر الإلّ بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين.
وقال أبو عبيدة : الذمة : التذمم.


الصفحة التالية