وقال أبو عبيد : الذمة : الأمان، كما في قوله ﷺ :" ويسعى بذمتهم أدناهم " وروي عن أبي عبيدة أيضاً أن الذمة ما يتذمم به : أي ما يجتنب فيه الذمّ.
قوله :﴿ يُرْضُونَكُم بأفواههم ﴾ أي : يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم، طلباً لمرضاتهم وتطييب قلوبكم، وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه، وتودّ ما فيه مساءتكم ومضرتكم، كما يفعله أهل النفاق وذو الوجهين، ثم حكم عليهم بالفسق، وهو التمرّد والتجري، والخروج عن الحق لنقضهم العهود، وعدم مراعلتهم للعقود، ثم وصفهم بقوله :﴿ اشتروا بئايات الله ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾ أي : استبدلوا بآيات القرآن التي من جملتها ما فيه الأمر بالوفاء بالعهود ثمناً قليلاً حقيراً، وهو ما آثروه من حطام الدنيا ﴿ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ أي : فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق، أو صرفوا غيرهم عنه.
قوله :﴿ لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾ قال النحاس : ليس هذا تكريراً، ولكن الأوّل : لجميع المشركين، والثاني : لليهود خاصة، والدليل على هذا ﴿ اشتروا بئايات الله ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾ يعني : اليهود، وقيل : هذا فيه مراعاة لحقوق المؤمنين على الإطلاق، وفي الأوّل : المراعاة لحقوق طائفة من المؤمنين خاصة ﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المعتدون ﴾ أي : المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد، أو البالغون في الشرّ والتمرد إلى الغاية القصوى ﴿ فَإِن تَابُواْ ﴾ عن الشرك والتزموا أحكام الإسلام، ﴿ فَإِخوَانُكُمْ ﴾ أي : فهم إخوانكم ﴿ فِى الدين ﴾ أي في دين الإسلام ﴿ وَنُفَصّلُ الآيات ﴾ أي : نبينها ونوضحها ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ بما فيها من الأحكام ويفهمونه، وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها، والمراد بالآيات ما مرّ من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم.