فصل


قال الفخر :
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى بدأ السورة بذكر البراءة عن الكفار وبالغ في إيجاب ذلك وذكر من أنواع فضائحهم وقبائهم ما يوجب تلك البراءة، ثم إنه تعالى حكى عنهم شبهاً احتجوا بها في أن هذه البراءة غير جائزة وأنه يجب أن تكون المخالطة والمناصرة حاصلة، فأولها ما ذكره في هذه الآية، وذلك أنهم موصوفون بصفات حميدة وخصال مرضية وهي توجب مخالطتهم ومعاونتهم ومناصرتهم، ومن جملة تلك الصفات كونهم عامرين للمسجد الحرام قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما أسر العباس يوم بدر، أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعة الرحم، وأغلظ له علي.
وقال : ألكم محاسن فقال : نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني، فأنزل الله تعالى رداً على العباس ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله ﴾.
المسألة الثانية :
عمارة المساجد قسمان : إما بلزومها وكثرة إتيانها يقال : فلان يعمر مجلس فلان إذا كثر غشيانه إياه، وإما بالعمارة المعروفة في البناء، فإن كان المراد هو الثاني، كان المعنى أنه ليس للكافر أن يقدم على مرمة المساجد وإنما لم يجز له ذلك لأن المسجد موضع العبادة فيجب أن يكون معظماً والكافر يهينه ولا يعظمه، وأيضاً الكافر نجس في الحكم، لقوله تعالى :﴿إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ﴾ [ التوبة : ٢٨ ] وتطهير المساجد واجب لقوله تعالى :﴿أَن طَهّرَا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [ البقرة : ١٢٥ ] وأيضاً الكافر لا يحترز من النجاسات، فدخوله في المسجد تلويث للمسجد، وذلك قد يؤدي إلى فساد عبادة المسلمين.
وأيضاً إقدامه على مرمة المسجد يجري مجرى الإنعام على المسلمين، ولا يجوز أن يصير الكافر صاحب المنة على المسلمين.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية