واعلم أن اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في عمارة المسجد كأنه يدل على أن المراد من عمارة المسجد الحضور فيه، وذلك لأن الإنسان إذا كان مقيماً للصلاة فإنه يحضر في المسجد فتحصل عمارة المسجد به، وإذا كان مؤتياً للزكاة فإنه يحضر في المسجد طوائف الفقراء والمساكين لطلب أخذ الزكاة فتحصل عمارة المسجد به.
وأما إذا حملنا العمارة على مصالح البناء فإيتاء الزكاة معتبر في هذا الباب أيضاً لأن إيتاء الزكاة واجب وبناء المسجد نافلة، والإنسان ما لم يفرغ عن الواجب لا يشتغل بالنافلة والظاهر أن الإنسان ما لم يكن مؤدياً للزكاة لم يشتغل ببناء المساجد.
والصفة الرابعة : قوله :﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله﴾ وفيه وجوه : الأول : أن أبا بكر رضي الله عنه بنى في أول الإسلام على باب داره مسجداً وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن والكفار يؤذونه بسببه، فيحتمل أن يكون المراد هو تلك الحالة، يعني إنا وإن خاف الناس من بناء المسجد إلا أنه لا يلتفت إليهم ولا يخشاهم ولكنه يبني المسجد للخوف من الله تعالى.
الثاني : يحتمل أن يكون المراد منه أن يبني المسجد لا لأجل الرياء والسمعة وأن يقال إن فلاناً يبني مسجداً، ولكنه يبنيه لمجرد طلب رضوان الله تعالى ولمجرد تقوية دين الله.
فإن قيل : كيف قال :﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله﴾ والمؤمن قد يخاف الظلمة والمفسدين ؟
قلنا : المراد من هذه الخشية الخوف والتقوى في باب الدين، وأن لا يختار على رضا الله رضا غيره.
اعلم أنه تعالى قال :﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله مَنْ ءَامَنَ بالله﴾ أي من كان موصوفاً بهذه الصفات الأربعة وكلما وردت ﴿إِنَّمَا﴾ تفيد الحصر وفيه تنبيه على أن المسجد يجب صونه عن غير العبادة فيدخل فيه فضول الحديث وإصلاح مهمات الدنيا.