وإما الذين قالوا : إنها جرت بين المسلمين والكافرين، فقد احتجوا على صحة قولهم بقوله تعالى :﴿كَمَنْ ءامَنَ بالله﴾ وبين من آمن بالله وهذا هو الأقرب عندي.
وتقرير الكلام أن نقول : إنا قد نقلنا في تفسير قوله تعالى :﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله مَنْ ءامَنَ بالله﴾ [ التوبة : ١٨ ] أن العباس احتج على فضائل نفسه، بأنه عمر المسجد الحرام وسقى الحاج فأجاب الله عنه بوجهين :
الوجه الأول : ما بين في الآية الأولى أن عمارة المسجد، إنما توجب الفضيلة إذا كانت صادرة عن المؤمن، أما إذا كانت صادرة عن الكافر فلا فائدة فيها ألبتة.
والوجه الثاني : من الجواب كل ما ذكره في هذه الآية، وهو أن يقال : هب أنا سلمنا أن عمارة المسجد الحرام وسقي الحاج، يوجب نوعاً من أنواع الفضيلة، إلا أنها بالنسبة إلى الإيمان بالله، والجهاد قليل جداً.
فكان ذكر هذه الأعمال في مقابلة الإيمان بالله والجهاد خطأ، لأنه يقتضي مقابلة الشيء الشريف الرفيع جداً بالشيء الحقير التافه جداً، وأنه باطل، فهذا هو الوجه في تخريج هذه الآية، وبهذا الطريق يحصل النظم الصحيح لهذه الآية بما قبلها.
المسألة الثانية :
قال صاحب "الكشاف" : السقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر كالصيانة والوقاية.
واعلم أن السقاية والعمارة فعل، قوله :﴿مَنْ ءامَنَ بالله﴾ إشارة إلى الفاعل، فظاهر اللفظ يقتضي تشبيه الفعل بالفاعل، والصفة بالذات وأنه محال، فلا بد من التأويل وهو من وجهين : الأول : أن نقول التقدير أجعلتم أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كم آمن بالله ؟ ويقويه قراءة عبد الله بن الزبير ﴿سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام﴾ والثاني : أن نقول التقدير أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن بالله ؟ ونظيره قوله تعالى :﴿لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ﴾ إلى قوله :﴿ولكن البر مَنْ ءامَنَ بالله﴾ [ البقرة : ١٧٧ ].
المسألة الثالثة :