فصل


قال الفخر :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن هذه هي الشبهة الثالثة التي وقعت في قلوب القوم، وذلك لأنه ﷺ لما أمر علياً أن يقرأ على مشركي مكة، أول سورة براءة وينبذ إليهم عهدهم وأن الله برىء من المشركين ورسوله، قال أناس يا أهل مكة ستعلمون ما تلقونه من الشدة لانقطاع السبل وفقد الحمولات، فنزلت هذه الآية لدفع هذه الشبهة، وأجاب الله تعالى عنها بقوله :﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ أي فقراً وحاجة ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ فهذا وجه النظم وهو حسن موافق.
المسألة الثانية :
قال الأكثرون لفظ المشركين يتناول عبدة الأوثان.
وقال قوم : بل يتناول جميع الكفار وقد سبقت هذه المسألة، وصححنا هذا القول بالدلائل الكثيرة، والذي يفيد ههنا التمسك بقوله :﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ [ النساء : ١١٦ ] ومعلوم أنه باطل.
المسألة الثالثة :
قال صاحب "الكشاف" : النجس مصدر نجس نجساً وقذر قذراً، ومعناه ذو نجس.
وقال الليث : النجس الشيء القذر من الناس ومن كل شيء، ورجل نجس، وقوم أنجاس، ولغة أخرى رجل نجس وقوم نجس وفلان نجس ورجل نجس وامرأة نجس.
واختلفوا في تفسير كون المشرك نجساً نقل صاحب "الكشاف" عن ابن عباس أن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير، وعن الحسن من صافح مشركاً توضأ، وهذا هو قول الهادي من أئمة الزيدية، وأما الفقهاء فقد اتفقوا على طهارة أبدانهم.
واعلم أن ظاهر القرآن يدل على كونهم أنجاساً فلا يرجع عنه إلا بدليل منفصل، ولا يمكن ادعاء الإجماع فيه لما بينا أن الاختلاف فيه حاصل.


الصفحة التالية
Icon