المسألة الثالثة :
لما فتح رسول الله ﷺ مكة، وقد بقيت أيام من شهر رمضان، خرج متوجهاً إلى حنين لقتال هوازن وثقيف.
واختلفوا في عدد عسكر رسول الله ﷺ فقال عطاء عن ابن عباس : كانوا ستة عشر ألفاً، وقال قتادة : كانوا اثني عشر ألفاً عشرة آلاف الذين حضروا مكة، وألفان من الطلقاء.
وقال الكلبي : كانوا عشرة آلاف وبالجملة فكانوا عدداً كثيرين، وكان هوازن وثقيف أربعة آلاف، فلما التقوا قال رجل من المسلمين : لن نغلب اليوم من قلة، فهذه الكلمة ساءت رسول الله ﷺ وهي المراد من قوله :﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ وقيل إنه قالها رسول الله ﷺ، وقيل قالها أبو بكر.
وإسناد هذه الكلمة إلى رسول الله ﷺ بعيد، لأنه كان في أكثر الأحوال متوكلاً على الله منقطع القلب عن الدنيا وأسبابها.
ثم قال تعالى :﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً﴾ ومعنى الإغناء إعطاء ما يدفع الحاجة فقوله :﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً﴾ أي لم تعطكم شيئاً يدفع حاجتكم والمقصود من هذا الكلام أن الله تعالى أعلمهم أنهم لا يغلبون بكثرتهم، وإنما يغلبون بنصر الله، فلما أعجبوا بكثرتهم صاروا منهزمين، وقوله :﴿وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ﴾ يقال رحب يرحب رحباً ورحابة، فقوله :﴿بِمَا رَحُبَتْ﴾ أي برحبها، ومعناه مع رحبها "فما" ههنا مع الفعل بمنزلة المصدر، والمعنى : أنكم لشدة ما لحقكم من الخوف ضاقت عليكم الأرض فلم تجدوا فيها موضعاً يصلح لفراركم عن عدوكم.


الصفحة التالية
Icon