واعلم أن السنة الشمسية لما كانت زائدة على السنة القمرية جمعوا تلك الزيادة، فإذا بلغ مقدارها إلى شهر جعلوا تلك السنة ثلاثة عشر شهراً، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وقال : إن حكم الله أن تكون السنة اثني عشر شهراً لا أقل ولا أزيد، وتحكمهم على بعض السنين، أنه صار ثلاثة عشر شهراً حكم واقع على خلاف حكم الله تعالى، ويوجب تغيير تكاليف الله تعالى، وكل ذلك على خلاف الدين.
واعلم أن مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية لا شمسية، وهذا حكم تورثوه عن إبراهيم وإسمعيل عليهما الصلاة والسلام فأما عند اليهود والنصارى، فليس كذلك.
ثم إن بعض العرب تعلم صفة الكبيسة من اليهود والنصارى، فأظهر ذلك في بلاد العرب.
المسألة الثانية :
قال أبو علي الفارسي : لا يجوز أن يتعلق قوله في كتاب الله بقوله :﴿عِدَّةَ الشُّهُورِ﴾ لأنه يقتضي الفصل بين الصلة والموصول بالخبر الذي هو قوله :﴿اثنا عَشَرَ شَهْراً﴾ وأنه لا يجوز.
وأقول في إعراب هذه الآية وجوه : الأول : أن نقول قوله :﴿عِدَّةَ الشهور﴾ مبتدأ وقوله :﴿اثنا عَشَرَ شَهْراً﴾ خبر.
وقوله :﴿عَندَ الله﴾ في كتاب الله ﴿يَوْمَ خَلَقَ السموات والأرض﴾ ظروف أبدل البعض من البعض، والتقدير : إن عدة الشهور اثنا عشر شهراً عند الله في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض.
والفائدة في ذكر هذه الإبدالات المتوالية تقرير أن ذلك العدد واجب متقرر في علم الله، وفي كتاب الله من أول ما خلق الله تعالى العالم.
الثاني : أن يكون قوله تعالى :﴿فِى كتاب الله﴾ متعلقاً بمحذوف يكون صفة للخبر تقديره : اثنا عشر شهراً مثبتة في كتاب الله، ثم لا يجوز أن يكون المراد بهذا الكتاب كتاب من الكتب، لأنه متعلق بقوله :﴿يَوْمَ خَلَقَ السموات والأرض مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ وأسماء الأعيان لا تتعلق بالظروف، فلا تقول : غلامك يوم الجمعة، بل الكتاب ههنا مصدر.