وسئل النبي عليه الصلاة والسلام : أي الصيام أفضل ؟ فقال عليه الصلاة والسلام :" أفضله بعد صيام شهر رمضان صيام شهر الله المحرم " وقال عليه الصلاة والسلام :" من صام يوماً من أشهر الله الحرم كان له بكل يوم ثلاثون يوماً " وكثير من الفقهاء غلظوا الدية على القاتل بسبب وقوع القتل في هذه الاْشهر، وفيه فائدة أخرى : وهي أن الطباع مجبولة على الظلم والفساد وامتناعهم من هذه القبائح على الإطلاق شاق عليهم، فالله سبحانه وتعالى خص بعض الأوقات بمزيد التعظيم والاحترام، وخص بعض الأماكن بمزيد التعظيم والاحترام، حتى أن الإنسان ربما امتنع في تلك الأزمنة وفي تلك الأمكنة من القبائح والمنكرات، وذلك يوجب أنواعاً من الفضائل والفوائد : أحدها : أن ترك تلك القبائح في تلك الأوقات أمر مطلوب، لأنه يقل القبائح.
وثانيها : أنه لما تركها في تلك الأوقات فربما صار تركه لها في تلك الأوقات سبباً لميل طبعه إلى الإعراض عنها مطلقاً.
وثالثها : أن الإنسان إذا أتى بالطاعات في تلك الأوقات وأعرض عن المعاصي فيها، فبعد انقضاء تلك الأوقات لو شرع في القبائح والمعاصي صار شروعه فيها سبباً لبطلان ما تحمله من العناء والمشقة في أداء تلك الطاعات في تلك الأوقات، والظاهر من حال العاقل أن لا يرضى بذلك فيصير ذلك سبباً لاجتنابه عن المعاصي بالكلية، فهذا هو الحكمة في تخصيص بعض الأوقات وبعض البقاع بمزيد التعظيم والاحترام.
ثم قال تعالى :﴿ذلك الدين القيم﴾ وفيه بحثان :
البحث الأول : أن قوله :﴿ذلك﴾ إشارة إلى قوله :﴿إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً﴾ لا أزيد ولا أنقص أو إلى قوله :﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ وعندي أن الأول أولى، لأن الكفار سلموا أن أربعة منها حرم، إلا أنهم بسبب الكبسة ربما جعلوا السنة ثلاثة عشر شهراً، وكانوا يغيرون مواقع الشهور، والمقصود من هذه الآية الرد على هؤلاء، فوجب حمل اللفظ عليه.


الصفحة التالية
Icon