وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ﴾
قيل : هو افتتاح كلام ؛ كما تقول : أصلحك الله وأعزك ورحمك! كان كذا وكذا.
وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على قوله :﴿ عَفَا الله عَنكَ ﴾ ؛ حكاه مكيّ والمهدوِيّ والنحاس.
وأخبره بالعفو قبل الذنب لئلا يطير قلبه فَرَقاً.
وقيل : المعنى عفا الله عنك ما كان من ذنبك في أن أذِنت لهم ؛ فلا يحسن الوقف على قوله :"عَفَا الله عَنْكَ" على هذا التقدير ؛ حكاه المهدوِيّ واختاره النحاس.
ثم قيل : في الإذن قولان : الأوّل "لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ" في الخروج معك، وفي خروجهم بلا عُدّة ونية صادقة فسادٌ.
الثاني "لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ" في القعود لما اعتلّوا بأعذار ؛ ذكرهما القشيري قال : وهذا عتاب تلطف ؛ إذ قال :"عَفَا اللَّهُ عَنْكَ".
وكان عليه السلام أذن من غير وحَيْ نزل فيه.
قال قتادة وعمرو بن ميمون : ثنتان فعلهما النبيّ ﷺ و لم يؤمر بهما : إذنُه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه ولم يكن له أن يمضي شيئاً إلا بوحي، وأخذهُ من الأسارى الفِدية ؛ فعاتبه الله كما تسمعون.
قال بعض العلماء إنما بدر منه ترك الأولى، فقدّم الله له العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب.
قوله تعالى :﴿ حتى يَتَبَيَّنَ لَكَ الذين صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الكاذبين ﴾ أي ليتبيّن لك من صدق ممن نافق.
قال ابن عباس : وذلك أن رسول الله ﷺ لم يكن يومئذ يعرف المنافقين، وإنما عرفهم بعد نزول سورة "التوبة".
وقال مجاهد : هؤلاء قوم قالوا : نستأذن في الجلوس، فإن أذن لنا جلسنا.
وإن لم يؤذن لنا جلسنا.
وقال قتادة : نسخ هذه الآية بقوله في سورة "النور" ﴿ فَإِذَا استأذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ [ النور : ٦٢ ].
ذكره النحاس في معاني القرآن له. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٨ صـ ﴾