وقال أبو حيان :
﴿ عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ﴾
قال ابن عطية : هذه الآية في صنف مبالغ في النفاق.
واستأذنوا دون اعتذار منهم : عبد الله بن أبيّ، والجد بن قيس، ورفاعة بن التابوت، ومن اتبعهم.
فقال بعضهم : ائذن لي ولا تفتني.
وقال بعضهم : ائذن لنا في الإقامة، فأذن لهم استبقاءً منه عليهم، وأخذا بالأسهل من الأمور، وتوكلا على الله.
قال مجاهد : قال بعضهم : نستأذنه، فإن أذن في القعود قعدنا، وإن لم يأذن فعدنا، فنزلت الآية في ذلك انتهى.
وقال أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة النجوي الداودي المنبوذ بنفطويه : ذهب ناس إلى أنّ النبي ( ﷺ ) معاتب بهذه الآية، وحاشاه من ذلك، بل كان له أن يفعل وأن لا يفعل حتى ينزل عليه الوحي كما قال :" لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة " لأنه كان له أن يفعل وأن لا يفعل.
وقد قال الله تعالى :﴿ تُرجي من تشاء منهن وتؤوي إِليك من تشاء ﴾ لأنه كان له أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي.
واستأذنه المخلفون في التخلف واعتذروا، اختار أيسر الأمرين تكرماً وتفضلاً منه ( ﷺ )، فأبان الله تعالى أنه لو لم يأذن لهم لأقاموا للنفاق الذي في قلوبهم، وأنهم كاذبون في إظهار الطاعة والمشاورة، فعفا الله عنك عنده افتتاح كلام أعلمه الله به، أنه لا حرج عليه فيما فعله من الإذن، وليس هو عفواً عن ذنب، إنما هو أنه تعالى أعلمه أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم كما قال ( ﷺ ) :" عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق " وما وجبتا قط ومعناه : ترك أن يلزمكم ذلك انتهى.


الصفحة التالية
Icon