ولقد أخطأ وأساء الأدب، وبئس ما فعل فيما قال وكتب، من زعم أن الكلام كناية عن الجناية، وأن معناه أخطأت، وبئس ما فعلت، هب أنه كناية، أليس إيثارها على التصريح بالجناية للتلطيف في الخطاب، والتخفيف في العتاب، وهب أن العفو بالسوء، أو يسوغ إنشاء الإستقباح اللائمة، بحيث يصحح هذه المرتبة من المشافهة بالسوء، أو يسوغ إنشاء الإستقباح بكلمة بئسما، المنبئة عن بلوغ القبح إلى رتبة يتعجب منها، ولا يخفى أنه لم يكن في خروجهم مصلحة للدين، أو منفعة للمسلمين، بل كان فيه فساد وخبال، حسبما نطق به قوله عزَّ وجلَّ :﴿ لَوْ خَرَجُوا ﴾ الخ، و قد كرهه سبحانه كما يفصح عنه قوله تعالى :﴿ وَلَكنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ ﴾ الآية، نعم كان الأولى تأخير الإذن حتى يظهر كذبهم آثر ذي أثير، ويفتضحوا على رؤوس الأشهاد، ولا يتمكنوا من التمتع بالعيش على الأمن والدعة، ولا يتسنى لهم الإبتهاج فيما بينهم، بأنهم غروه ﷺ، وأرضوه بالأكاذيب.
على أنه لم يهنأ لهم عيش، ولا قرّت لهم عين، إذ لم يكونوا على أمن واطمئنان، بل كانوا على خوف من ظهور أمرهم وقد كان. انتهى.
قال الخفاجي : وحاول بعضهم توجيه كلام الكشاف بأن مراده أن الأصل فيه ذلك، فأبدله بالعفو تعظيماً لشأنه، ولذا قدم العفو على ما يوجب الجناية، فلا خطأ فيه.
قال رحمه الله : ولو اتقى هو والموجِّه موضع التهم - كان أولى وأحرى. انتهى.
الثاني : استدل بالآية على أن النبي ﷺ كان يحكم أحياناً بالإجتهاد، كما بسطه الرازي.
قال السيوطي في " الإكليل " : واستدل بها من قال : إن اجتهاده قد يخطئ ولكن ينبَّه عليه بسرعة.
الثالث : قال الرازي : دلت الآية على وجوب الإحتراز عن العجلة، ووجوب التثبت والتأني، وترك الإغترار بظواهر الأمور، والمبالغة في التفحص، حتى يمكنه أن يعامل كل فريق بما يستحق من التقريب أو الإبعاد.


الصفحة التالية
Icon