الرابع : قال أبو السعود : تغيير الأسلوب بأن عبر عن الفريق الأول بالموصول الذي صلته فعل دالّ على الحدوث، وعن الفريق الثاني باسم الفاعل المفيد للدوام، للإيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث في أمر خاص، غير مصحح لنظمهم في سلك الصادقين، وأن ما صدر من الآخرين، وإن كان كذباً حادثاً متعلقاً بأمر خاص، لكنه أمر جارٍ على عادتهم المستمرة، ناشئ عن رسوخهم في الكذب. ودقق رحمه الله في بيان لطائف آخر. فلتراجع.
الخامس : قيل : نفي الفعل المستقبل الدالّ على الإستمرار في قوله تعالى :﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ ﴾ يفيد نفي الإستمرار.
وهذا معنى قول الزمخشري : ليس من عادة المؤمنين أي : يستأذنوك.
قال النحرير : ولا يبعد حمله على استمرار النفي، كما في أكثر المواضع، أي : عادتهم عدم الإستئذان.
قال الناصر : وهذا الأدب يجب أن يقتفى مطلقاً، فلا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدي له معروفاً، ولا بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه طعاماً، فإن الإستئذان في أمثال هذه المواطن أمارة التكلف والتكرّه، وصلوات الله على خليله وسلامه، لقد بلغ من كرمه وأدبه مع ضيوفه أنه كان لا يتعاطى شيئاً من
أسباب التهيؤ للضيافة بمرأى منهم، فلذلك مدحه الله تعالى على لسان رسوله ﷺ بهذه الخلة الجميلة، والآداب الجليلة، فقال تعالى :﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴾ أي : ذهب على خفاء منهم، كيلا يشعروا به، والمهتم بأمر ضيفه بمرأى منه، ربما يعدّ كالمستأذن له في الضيافة، فهذا من الآداب التي ينبغي أي : يتمسك بها ذوو المروءة، وأولو القوة.
وأشد من الإستئذان في الخروج للجهاد ونصرة الدين، والتثاقل عن المبادرة إليه، بعد الحض عليه والمناداة.
وأسوأ أحوال المتثاقل، وقد دعي الناس إلى الغزاة، أن يكون متمسكاً بشعبة من النفاق. نعوذ بالله من التعرض لسخطه. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٨ صـ ٤٣٦ ـ ٤٣٩﴾