وعن الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له إنك عليل صاحب ضرر، فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن عجزت عن الجهاد كثرت السواد وحفظت المتاع.
وقيل للمقداد بن الأسود وهو يريد الغزو : أنت معذور، فقال : أنزل الله علينا في سورة براءة ﴿انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً ﴾.
واعلم أن القائلين بهذا القول الذي قررناه يقولون : هذه الآية صارت منسوخة بقوله تعالى :﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ﴾ [ الفتح : ١٧ النور : ٦١ ] وقال عطاء الخراساني : منسوخة بقوله :﴿وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾ [ التوبة : ١٢٢ ].
ولقائل أن يقول : اتفقوا على أن هذه الآية نزلت في غزوة تبوك، واتفقوا على أنه عليه الصلاة والسلام خلف النساء وخلف من الرجال أقواماً، وذلك يدل على أن هذا الوجوب ليس على الأعيان، لكنه من فروض الكفايات، فمن أمره الرسول بأن يخرج، لزمه ذلك خفافاً وثقالاً، ومن أمره بأن يبقى هناك، لزمه أن يبقى ويترك النفر.
وعلى هذا التقدير : فلا حاجة إلى التزام النسخ.
ثم قال تعالى :﴿وجاهدوا بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ الله﴾ وفيه قولان :
القول الأول : أن هذا يدل على أن الجهاد إنما يجب على من له المال والنفس، فدل على أن من لم يكن له نفس سليمة صالحة للجهاد، ولا مال يتقوى به على تحصيل آلات الجهاد لا يجب عليه الجهاد.
والقول الثاني : أن الجهاد يجب بالنفس إذا انفرد وقوي عليه، وبالمال إذا ضعف عن الجهاد بنفسه، فيلزم على هذا القول أن من عجز أن ينيب عنه نفراً بنفقة من عنده فيكون مجاهداً بماله لما تعذر عليه بنفسه، وقد ذهب إلى هذا القول كثير من العلماء.
ثم قال تعالى :﴿ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.
فإن قيل : كيف يصح أن يقال : الجهاد خير من القعود عنه، ولا خير في القعود عنه.
قلنا : الجواب عنه من وجهين :


الصفحة التالية