وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي ﴾
من أذِن يأذَن.
وإذا أمرت زدت همزة مكسورة وبعدها همزة هي فاء الفعل، ولا يجتمع همزتان ؛ فأبدلت من الثانية ياء لكسرة ما قبلها فقلت إيذن.
فإذا وصلت زالت العلة في الجمع بين همزتين، ثم همزت فقلت :"ومنهم من يقول ائذن لي".
وروى وَرْشٌ عن نافع "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اوذَنْ لِي" خفف الهمزة.
قال النحاس : يقال إيذن لفلان ثم إيذن له، هجاء الأولى والثانية واحد بألف وياء قبل الذال في الخط.
فإن قلت : إيذن لفلان وأذنْ لغيره كان الثاني بغير ياء ؛ وكذا الفاء.
والفرق بين ثُمّ والواو أن ثم يوقف عليها وتنفصل، والواو والفاء لا يوقف عليهما ولا ينفصلان.
قال محمد بن إسحاق : قال رسول الله ﷺ للجدّ بن قيس أخي بني سلمة لما أراد الخروج إلى تبوك :" "يا جدّ، هل لك في جِلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووُصَفاء" فقال الجدّ : قد عرف قومي أني مغرم بالنساء، وإني أخشى إن رأيت بني الأصفر ألا أصبر عنهن، فلا تَفْتِنّي وأذن لي في القعود وأعينك بمالي ؛ فأعرض عنه رسول الله ﷺ وقال :"قد أذنت لك" " فنزلت هذه الآية.
أي لا تفتنّي بصباحة وجوههم، ولم يكن به علة إلا النفاق.
قال المهدويّ : والأصفر رجل من الحبشة كانت له بنات لم يكن في وقتهن أجمل منهن، وكان ببلاد الروم.
وقيل : سُمُّوا بذلك لأن الحبشة غلبت على الروم، وولدت لهم بنات فأخذن من بياض الروم وسواد الحبشة، فكنّ صُفراً لُعْساً.
قال ابن عطية : في قول ابن إسحاق فتور.
وأسند الطبريّ أن رسول الله ﷺ قال :" اغزوا تغنموا بنات الأصفر " فقال له الجد : إيذن لنا ولا تفتنّا بالنساء.
وهذا منزع غير الأوّل، وهو أشبه بالنفاق والمُحادّة.