فصل


قال الفخر :
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ﴾ الآية
والمعنى : ولو أنهم رضوا بما أعطاهم رسول الله ﷺ من الغنيمة وطابت نفوسهم وإن قل، وقالوا : كفانا ذلك وسيرزقنا الله غنيمة أخرى، فيعطينا رسول الله ﷺ أكثر مما أعطانا اليوم، إنا إلى طاعة الله وإفضاله وإحسانه لراغبون.
واعلم أن جواب "لو" محذوف، والتقدير : لكان خيراً لهم وأعود عليهم، وذلك لأنه غلب عليهم النفاق ولم يحضر الإيمان في قلوبهم، فيتوكلوا على الله حق توكله، وترك الجواب في هذا المعرض أدل على التعظيم والتهويل، وهو كقولك للرجل : لو جئتنا، ثم لا تذكر الجواب، أي لو فعلت ذلك لرأيت أمراً عظيماً.
المسألة الثانية :
الآية تدل على أن من طلب الدنيا آل أمره في الدين إلى النفاق.
وأما من طلب الدنيا بقدر ما أذن الله فيه وكان غرضه من الدنيا أن يتوسل إلى مصالح الدين فهذا هو الطريق الحق، والأصل في هذا الباب أن يكون راضياً بقضاء الله، ألا ترى أنه قال :﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءاتاهم الله وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى الله راغبون﴾ فذكر فيه مراتب أربعة :
المرتبة الأولى : الرضا بما آتاهم الله ورسوله لعلمه بأنه تعالى حكيم منزه عن العبث والخطأ، وحكيم بمعنى أنه عليم بعواقب الأمور، وكل ما كان حكماً له وقضاء كان حقاً وصواباً ولا اعتراض عليه.
والمرتبة الثانية : أن يظهر آثار ذلك الرضا على لسانهم، وهو قوله :﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله﴾ يعني أن غيرنا أخذوا المال ونحن لما رضينا بحكم الله وقضائه فقد فزنا بهذه المرتبة العظيمة في العبودية، فحسبنا الله.


الصفحة التالية
Icon