قلنا : المنافقون مخصوصون بزيادات في هذا الباب : أحدها : أن الرجل إذا آمن بالله واليوم الآخر علم أنه خلق للآخرة لا للدنيا، فبهذا العلم يفتر حبه للدنيا، وأما المنافق لما اعتقد أنه لا سعادة إلا في هذه الخيرات العاجلة عظمت رغبته فيها، واشتد حبه لها، وكانت الآلام الحاصلة بسبب فواتها أكثر في حقه، وتقوى عند قرب الموت وظهور علاماته، فهذا النوع من العذاب حاصل لهم في الدنيا بسبب حب الأموال والأولاد.
وثانيها : أن النبي ﷺ كان يكلفهم إنفاق تلك الأموال في وجوه الخيرات، ويكلفهم إرسال أموالهم وأولادهم إلى الجهاد والغزو، وذلك يوجب تعريض أولادهم للقتل، والقوم كانوا يعتقدون أن محمداً ليس بصادق في كونه رسولاً من عند الله وكانوا يعتقدون أن إنفاق تلك الأموال تضييع لها من غير فائدة، وأن تعريض أولادهم للقتل التزام لهذا المكروه الشديد من غير فائدة، ولا شك أن هذا أشق على القلب جداً، فهذه الزيادة من التعذيب، كانت حاصلة للمنافقين.
وثالثها : أنهم كانوا يبغضون محمداً عليه الصلاة والسلام بقلوبهم، ثم كانوا يحتاجون إلى بذل أموالهم وأولادهم ونفوسهم في خدمته، ولا شك أن هذه الحالة شاقة شديدة.
ورابعها : أنهم كانوا خائفين من أن يفتضحوا ويظهر نفاقهم وكفرهم ظهوراً تاماً، فيصيرون أمثال سائر أهل الحرب من الكفار، وحينئذ يتعرض الرسول لهم بالقتل، وسبي الأولاد ونهب الأموال، وكلما نزلت آية خافوا من ظهور الفضيحة، وكلما دعاهم الرسول خافوا من أنه ربما وقف على وجه من وجوه مكرهم وخبثهم وكل ذلك مما يوجب تألم القلب ومزيد العذاب.