وقال ابن عاشور :
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ﴾
تفريع على مذمّة حالهم في أموالهم، وأن وفرة أموالهم لا توجب لهم طُمَأنِينَة بال، بإعلام المسلمين أنّ ما يرون بعض هؤلاء المنافقين فيه من متاع الحياة الدنيا لا ينبغي أن يكون محلّ إعجاب المؤمنين، وأن يحسبوا المنافقين قد نالوا شيئاً من الحظّ العاجل ببيان أنّ ذلك سبب في عذابهم في الدنيا.
فالخطاب للنبيء ﷺ والمراد تعليم الأمّة.
ومعنى هذه الآية : أنّ الله كشف سرّاً من أسرار نفوس المنافقين بأنّه خلق في نفوسهم شحّاً وحرصاً على المال وفتنة بتوفيره والإشفاق من ضياعه، فجعلهم بسبب ذلك في عناء وعذاب من جرّاء أموالهم، فهم في كَبَد من جمعها.
وفي خوف عليها من النقصان، وفي ألم من إنفاق ما يلجئهم الحال إلى إنفاقه منها، فقد أراد الله تعذيبهم في الدنيا بما الشأن أن يكون سبب نعيم وراحة، وتمّ مراده.
وهذا من أشدّ العقوبات الدنيوية وهذا شأن البخلاء وأهل الشحّ مطلقاً، إلاّ أنّ المؤمنين منهم لهم مسلاة عن الرزايا بما يرجون من الثواب على الإنفاق أو على الصبر.
ثم يجوز أن يكون هذا الخلق قد جبلهم الله عليه من وقت وجودهم فيكون ذلك من جملة بواعث كفرهم ونفاقهم، إذ الخلق السيّء يدعو بعضه بعضاً، فإنّ الكفر خُلق سيّء فلا عجب أن تنساق إليه نفس البخيل الشحيح، والنفاق يبعث عليه الخلقُ السيّء من الجُبن والبخل، ليتقّي صاحبه المخاطر، وكذلك الشأن في أولادهم إذ كانوا في فتنة من الخوف على إيمان بعض أولادهم، وعلى خلاف بينهم وبين بعض أولادهم الموفّقين إلى الإسلام : مثل حنظلة : ابن أبي عامر الملقّببِ غَسيلَ الملائكة، وعبد الله بننِ عبدِ الله بننِ أُبي فكان ذلك من تعذيب أبويهما.


الصفحة التالية
Icon