قال الإمام الواحدي : إنهم كانوا يُظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين، فأخبر الله تعالى نبيّه عليه السلام والمؤمنين بذلك عنهم، وأنت خبير بأن إبرازَ ما صدر عن أحد المتحاورَيْن في الخلاء في معرِض ما جرى بينهما في مقام المحاورة مما لا عهدَ به في الكلام فضلاً عما هو في منصِب الإعجاز، فالحقُ الذي لا محيد عنه أن قولهم هذا وإن صدر عنهم بمحضر من الناصحين لا يقتضي كونَهم مجاهرين، فإنه ضربٌ من الكفر أنيقٌ، وفنّ في النفاق عريق، مصنوعٌ على شاكلة قولِهم :﴿واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ فكما أنه كلامٌ ذو وجهين مثلَهم محتملٌ للشر، بأن يُحمل على معنى اسمعْ منا غيرَ مُسمعٍ كلاماً ترضاه ونحوِه، وللخير بأن يُحمل على معنى اسمَعْ غيرَ مُسْمَعٍ مكروهاً، كانوا يخاطبون به رسولَ الله ﷺ استهزاءً به، مظهرين إرادةَ المعنى الأخير، وهم مُضمرون في أنفسهم المعنى الأولَ، مطمئنون به، ولذلك نُهوا عنه، كذلك هذا الكلامُ محتملٌ للشر كما ذكر في تفسيره، وللخير بأن يُحملَ على ادعاء الإيمان كإيمان الناس وإنكارِ ما اتُّهموا به من النفاق، على معنى أنؤمن كما آمن السفهاءُ والمجانينُ الذين لا اعتداد بإيمانهم لو آمنوا، ولا نؤمنُ كإيمان الناس حتى تأمرونا بذلك، قد خاطبوا به الناصحين استهزاءً بهم مُرائين لإرادة المعنى الأخير، وهم معوّلون على الأول، فرُدّ عليهم ذلك بقوله عز قائلاً :﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السفهاء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ أبلغَ ردَ، وجُهِّلوا أشنعَ تجهيل حيث صُدِّرت الجملةُ بحرفي التأكيد حسبما أشير إليه فيما سلف، وجعلت السفاهةُ مقصورةً عليهم وبالغةً إلى حيث لا يدرون أنهم سفهاء، وعن هذا اتضح لك سرُ ما مر في تفسير قوله تعالى :﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ فإن حمله على المعنى الأخير كما هو رأيُ الجمهور منافٍ لحالهم ضرورةَ أن مشافهتَهم للناصحين بادعاء كونِ ما نُهوا عنه


الصفحة التالية
Icon