وقال الآلوسى :
﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السفهاء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ رد وأشنع تجهيل حسبما أشير إليه فيما سلف، وإنما قال سبحانه هنا :﴿لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ وهناك ﴿لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ [ البقرة : ٢ ١ ] لأن المثبت لهم هناك هو الإفساد وهو مما يدرك بأدنى تأمل ولا يحتاج إلى كثير فكر، فنفى عنهم ما يدرك بالمشاعر مبالغة في تجهيلهم، والمثبت هنا السفه والمصدر به الأمر بالإيمان وذلك مما يحتاج إلى نظر تام يفضي إلى الإيمان والتصديق ولم يقع منهم المأمور به فناسب ذلك نفي العلم عنهم، ولأن السفه خفة العقل والجهل بالأمور على ما قيل فيناسبه أتم مناسبة نفي العلم، وهذا مبني على ما هو الظاهر في المفعول وعلى غير الظاهر غير ظاهر فتدبر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ١ صـ ١٥٦﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾.
أتى بما يقابل جفاء طبعهم انتصاراً للمؤمنين، ولولا جفاء قولهم :﴿أنؤمن كما آمن السفهاء﴾ لما تصدى القرآن لسبابهم مع أن عادته الإعراض عن الجاهلين ولكنهم كانوا مضرب المثل :" قُلتَ فأَوْجَبْتَ "، ولأنه مقام بيان الحق من الباطل فتحسن فيه الصراحة والصرامة كما تقرر في آداب الخطابة، وأعلن ذلك بكلمة ألاَ المؤذنة بالتنبيه للخبر، وجاء بصيغة القصر على نحو ما قرر في :﴿ألا إنهم هم المفسدون﴾ [ البقرة : ١٢ ] ليدل على أن السفاهة مقصورة عليهم دون المؤمنين فهو إضافي لا محالة.
وإذا ثبتت لهم السفاهة انتفى عنهم الحِلم لا محالة لأنهما ضدان في صفات العقول
( إِنَّ ) هنا لتوكيد الخبر وهو مضمون القصر وضمير الفصل لتأكيد القصر كما تقدم آنفاً.
و( أَلا ) كأختها المتقدمة في :﴿ألا إنهم هم المفسدون﴾.