وقوله :﴿ولكن لا يعلمون﴾ نفى عنهم العلم بكونهم سفهاء بكلمة ﴿يعلمون دون يشعرون خلافاً للآيتين السابقتين لأن اتصافهم بالسفه ليس مما شأنه الخفاء حتى يكون العلم به شُعوراً ويكونَ الجهل به نفيَ شُعور، بل هو وصف ظاهر لا يخفى لأن لقاءهم كل فريق بوجه واضطرابهم في الاعتماد على إحدى الخَلَّتين وعدم ثباتهم على دينهم ثباتاً كاملاً ولا على الإسلام كذلك كافَ في النداء بسفاهة أحلامهم فإن السفاهة صفة لا تكاد تخفى، وقد قالت العرب : السفاهة كاسمها، قال النابغة :
نُبئْتُ زرعة والسفاهةُ كاسمها...
يُهدى إليّ غَرائبَ الأشعار
وقال جَزْءُ بن كلاب الفَقْعَسي :
تَبَغّى ابنُ كُوز والسَّفَاهَة كاسمها...
لِيَسْتَادَ مِنَّا أَنْ شَتَوْنَا لَيَالِيا
فظنهم أن ما هم عليه من الكفر رُشد، وأن ما تقلده المسلمون من الإيمان سَفَه يدل على انتفاء العلم عنهم.
فموقع حرف الاستدراك لدفع تعجب من يتعجب من رضاهم بالاختصاص بوصف السفاهة. أ هـ {التحرير والتنوير حـ ١ صـ ٢٨٤﴾
من فوائد ابن الجوزى فى الآية
قال رحمه الله :
قوله تعالى :﴿وإذا قيل لهم آمنوا﴾ في المقول لهم قولان.
أحدهما : أنهم اليهود، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني : المنافقون، قاله مجاهد، وابن زيد.
وفي القائلين لهم قولان.
أحدهما : أنهم أصحاب النبي ﷺ، قاله ابن عباس، ولم يعيّن أحداً من الصحابة.
والثاني : أنهم معينون، وهم سعد بن معاذ، وأبو لبابة، وأسيد، ذكره مقاتل.
وفي الإِيمان الذي دعوا إليه قولان.
أحدهما : أنه التصديق بالنبي، وهو قول من قال : هم اليهود.
والثاني : أنه العمل بمقتضى ما أظهروه، وهو قول من قال : هم المنافقون.
وفي المراد بالناس هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها : جميع الصحابة، قاله ابن عبَّاس.
والثاني : عبد الله بن سلام، ومن أسلم معه من اليهود، قاله مقاتل.