واستدل بالآية على أن الإقرار باللسان إيمان وإلا لم يفد التقييد، وكونه للترغيب يأباه إيرادهم التشبيه في الجواب ؛ والجواب عنه بعد إمكان معارضته بقوله تعالى :﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ [ البقرة : ٨ ] أنه لا خلاف في جواز إطلاق الإيمان على التصديق اللساني لكن من حيث إنه ترجمة عما في القلب أقيم مقامه إنما النزاع في كونه مسمى الإيمان في نفسه ووضع الشارع إياه له مع قطع النظر عما في الضمير على ما بين لك في محله، ولما طلب من المنافق الإيمان دل ذلك على قبول توبة الزنديق :
فإن لا يكنها أو تكنه فإنه...
أخوها غذته أمه بلبانها
نعم إن كان معروفاً بالزندقة داعياً إليها ولم يتب قبل الأخذ قتل كالساحر ولم تقبل توبته كما أفتى به جمع من المحققين. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ١ صـ ١٥٤ ـ ١٥٥﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ الناس قالوا أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السفهآء﴾.
هو من تمام المقول قبله فحكمه حكمه بالعطف والقائل، ويجوز هنا أن يكون القائل أيضاً طائفة من المنافقين يشيرون عليهم بالإقلاع عن النفاق لأنهم ضجروه وسئموا كُلَفَهُ ومتَّقياته، وكَلَّت أذهانهم من ابتكار الحِيَل واختلاق الخطل.
وحذف مفعول ﴿آمِنوا﴾ استغناء عنه بالتشبيه في قوله :﴿كما آمن الناس﴾ أو لأنه معلوم للسامعين.
وقوله :﴿كما آمن الناس﴾ الكاف فيه للتشبيه أو للتعليل، واللام في ( الناس ) للجنس أو للاستغراق العرفي.
والمراد بالناس من عَدَا المخاطبين، كلمة تقولها العرب في الإغراء بالفعل والحث عليه لأن شأن النفوس أن تسرع إلى التقليد والاقتداء بمن يسبقها في الأمر، فلذلك يأتون بهاته الكلمة في مقام الإغراء أو التسلية أو الائتساء، قال عَمْرو ابن البَرَّاقَة النِّهْمِي :
وننصُرُ مولانا ونَعَلُم أَنَّه...
كما الناسِ مجرومٌ عليه وجَارم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١ صـ ٢٨٢ ـ ٢٨٣﴾