وثانيها : السعادات البدنية وهي المرتبة الوسطى.
وثالثها : السعادات الخارجية وهي المال والجاه.
فهذه المراتب تجري مجرى خادم السعادات النفسانية، فإذا صار الروح مبذولاً في مقام العبودية، ثم حصل الشح ببذل المال لزم جعل الخادم في مرتبة أعلى من المخدوم الأصلي، وذلك جهل.
فثبت أنه يجب على العاقل أيضاً بذل المال في طلب مرضاة الله تعالى.
والوجه الحادي عشر : أن العلماء قالوا : شكر النعمة عبارة عن صرفها إلى طلب مرضاة المنعم، والزكاة شكر النعمة، فوجب القول بوجوبها لما ثبت أن شكر المنعم واجب.
والوجه الثاني عشر : أن إيجاب الزكاة يوجب حصول الإلف بالمودة بين المسلمين، وزوال الحقد والحسد عنهم، وكل ذلك من المهمات، فهذه وجوه معتبرة في بيان الحكمة الناشئة من إيجاب الزكاة العائدة إلى معطي الزكاة، فأما المصالح العائدة من إيجاب الزكاة إلى من يأخذ الزكاة فهي كثيرة، الأول : أن الله تعالى خلق الأموال، وليس المطلوب منها أعيانها وذواتها.
فإن الذهب والفضة لا يمكن الانتفاع بهما في أعيانهما إلا في الأمر القليل، بل المقصود من خلقهما أن يتوسل بهما إلى تحصيل المنافع ودفع المفاسد، فالإنسان إذا حصل له من المال بقدر حاجته كان هو أولى بإمساكه لأنه يشاركه سائر المحتاجين في صفة الحاجة، وهو ممتاز عنهم بكونه ساعياً في تحصيل ذلك المال، فكان اختصاصه بذلك المال أولى من اختصاص غيره، وأما إذا فضل المال على قدر الحاجة، وحضر إنسان آخر محتاج، فههنا حصل سببان كل واحد منهما يوجب تملك ذلك المال.
أما في حق المالك، فهو أنه سعى في اكتسابه وتحصيله، وأيضاً شدة تعلق قلبه به، فإن ذلك التعلق أيضاً نوع من أنواع الحاجة.
وأما في حق الفقير، فاحتياجه إلى ذلك المال يوجب تعلقه به، فلما وجد هذان السببان المتدافعان اقتضت الحكمة الإلهية رعاية كل واحد من هذين السببين بقدر الإمكان.


الصفحة التالية
Icon