والحق سبحانه وتعالى هو خالق النفس البشرية، يعلم ما في صدور الناس ؛ ولذلك يُلفت القادر إلى ضرورة أن يُخرِجَ بعضاً من ماله للعاجز عن الكسب.
ونحن نعيش في عالم أغيار، ومن الممكن ان يصبح القادر اليوم عاجزاً غداً. ولذلك نجد القادر يمتلئ بالقلق إذا رأى عاجزاً. وهنا يتذكر نعمة الله عليه ؛ فيسرع ليدفع بعضاً من ماله إلى العاجز ؛ وهو راض، خوفاً من أن يحدث له مثل ما حدث لهذا العاجز. ويقول الحق :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا... ﴾ [ التوبة : ١٠٣ ]
إذن : فالصدقة تطهر الإنسان من الغفلة التي قد تصيبه، وتُزكِّي الإنسان أيضاً، وشاء سبحانه أن تكون الزكاة نموّاً وزيادة وإن بدت في ظاهرها على أنها نقص. فالمائة جنيه تصبح سبعة وتسعين ونصفاً بعد إخراج الزكاة، وهي عكس الربا الذي قد تصبح فيه المائة مائتين، وظاهر الربا أنه زيادة، ولكنه يمحق كل خير، وظاهرة الزكاة أنها نقص، ولكنها في حقيقتها نماء. والنماء أن يترقى الشيء في مراتب الكمال ؛ فينمو طهارة، وينمو تزكية، وينمو بالزيادة والبركة. والإنسان يحتاج إلى المال ليحصل على ضروريات الحياة وكمالياتها ؛ فيطمئن إلى حاضره ومستقبله.
لكن لنفرض أن المال دام لك طول العمر، وأنت تعرف أن العمر مهما طال، قصير. ولا بد أن يأتي يوم تفارق فيه هذا المال بالموت. في هذه اللحظة يكون ما كنزت من المال قد صار إلى ورثتك، ولا يصحبك منه إلى آخرتك إلا ما أنفقت في سبيل الله، أي : أن ما أنفقت هو ما يبقى لك في عالم الخلود لا يفارقك ولا تفارقه.
وشاء الحق أن يضاعف لك الجزاء والثواب.
ويقول رسول الله ﷺ :" يقول ابن آدم : مالي مالي.. وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت؟ "


الصفحة التالية
Icon