فصل


قال الفخر :
﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) ﴾
اعلم أن هذا نوع آخر من قبائح أفعال المنافقين وهو إقدامهم على اليمين الكاذبة.
قيل : هذا بناء على ما تقدم، يعني يؤذون النبي ويسيؤون القول فيه ثم يحلفون لكم.
وقيل : نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك، فلما رجع رسول الله ﷺ إلى المدينة أتوه واعتذروا وحلفوا، ففيهم نزلت الآية، والمعنى : أنهم حلفوا على أنهم ما قالوا ما حكي عنهم، ليرضوا المؤمنين بيمينهم، وكان من الواجب أن يرضوا الله بالإخلاص والتوبة، لا بإظهار ما يستسرون خلافه، ونظيره قوله :﴿وَإِذَا لَقُواْ الذين ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا﴾ [ البقرة : ٧٦ ].
وأما قوله :﴿يُرْضُوهُ﴾ بعد تقدم ذكر الله وذكر الرسول ففيه وجوه : الأول : أنه تعالى لا يذكر مع غيره بالذكر المجمل، بل يجب أن يفرد بالذكر تعظيماً له.
والثاني : أن المقصود بجميع الطاعات والعبادات هو الله، فاقتصر على ذكره.
ويروى أن واحداً من الكفار رفع صوته.
وقال : إني أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد، فسمع الرسول عليه السلام ذلك وقال :" وضع الحق في أهله " الثالث : يجوز أن يكون المراد يرضوهما فاكتفى بذكر الواحد كقوله :
نحن بما عندنا وأنت بما.. عندك راض والرأي مختلف
والرابع : أن العالم بالأسرار والضمائر هو الله تعالى، وإخلاص القلب لا يعلمه إلا الله، فلهذا السبب خص تعالى نفسه بالذكر.
الخامس : لما وجب أن يكون رضا الرسول مطابقاً لرضا الله تعالى وامتنع حصول المخالفة بينهما وقع الاكتفاء بذكر أحدهما كما يقال : إحسان زيد وإجماله نعشني وجبرني.
السادس : التقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك وقوله :﴿إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ فيه قولان : الأول : إن كانوا مؤمنين على ما ادعوا.


الصفحة التالية
Icon