قلنا : لأن الإيمان المعدى إلى الله المراد منه التصديق الذي هو نقيض الكفر، فعدى بالباء، والإيمان المعدى إلى المؤمنين معناه الاستماع منهم والتسليم لقولهم فيتعدى باللام، كما في قوله :﴿وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا﴾ [ يوسف : ١٧ ] وقوله :﴿فَمَا ءامَنَ لموسى إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ﴾ [ يونس : ٨٣ ] وقوله :﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون﴾ [ الشعراء : ١١١ ] وقوله :﴿ءامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لكم﴾ [ الشعراء : ٤٩ ].
وأما الثالث : وهو قوله :﴿وَرَحْمَةٌ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ﴾ فهذا أيضاً يوجب الخيرية لأنه يجري أمركم على الظاهر، ولا يبالغ في التفتيش عن بواطنكم، ولا يسعى في هتك أستاركم، فثبت أن كل واحد من هذه الأوصاف الثلاثة يوجب كونه ﴿أُذُنُ خَيْرٍ﴾ ولما بين كونه سبباً للخير والرحمة بين أن كل من آذاه استوجب العذاب الأليم، لأنه إذا كان يسعى في إيصال الخير والرحمة إليهم مع كونهم في غاية الخبث والخزي، ثم إنهم بعد ذلك يقابلون إحسانه بالإساءة وخيراته بالشرور، فلا شك أنهم يستحقون العذاب الشديد من الله تعالى.
المسألة الرابعة :
أما قراءة من قرأ ﴿أُذُنُ خَيْرٍ﴾ بالتنوين في الكلمتين ففيه وجوه :
الوجه الأول : التقدير قل أذن واعية سامعة للحق خير لكم من هذا الطعن الفاسد الذي تذكرون، ثم ذكر بعده ما يدل على فساد هذا الطعن، وهو قوله :﴿يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ﴾ والمعنى أن من كان موصوفاً بهذه الصفات، فكيف يجوز الطعن فيه، وكيف يجوز وصفه بكونه سليم القلب سريع الاغترار ؟
الوجه الثاني : أن يضمر مبتدأ، والتقدير : هو أذن خير لكم، أي هو أذن موصوف بالخيرية في حقكم، لأنه يقبل معاذيركم، ويتغافل عن جهالاتكم، فكيف جعلتم هذه الصفة طعناً في حقه ؟
الوجه الثالث : وهو وجه متكلف ذكره صاحب النظم.