وقال أبو السعود :
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ ﴾
أي أولئك المنافقون، والاستفهامُ للتوبيخ على ما أقدَموا عليه من العظيمة مع علمهم بسوء عاقبتِها، وقُرىء بالتاء على الالتفات لزيادةِ التقريعِ والتوبيخ أي ألم يعلموا بما سمعوا من رسول الله ﷺ من فنون القوارعِ والإنذارات ﴿ أَنَّهُ ﴾ أي الشأنَ ﴿ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ المحادَّةُ من الحدّ كالمُشاقّة من الشَّق والمعاداةُ من العُدوة بمعنى الجانبِ فإن كلَّ واحدٍ من مباشري كلِّ الأًفعالِ المذكورة في محل غيرِ محلِّ صاحبِه، ومَنْ شرطيةٌ جوابُها قوله تعالى :﴿ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ على أن خبرَه محذوفٌ أي فحَقٌّ أن له نارَ جهنم، وقرىء بكسر الهمزةِ والجملةُ الشرطيةُ في محلّ الرفعِ على أنها خبرٌ لأن وهي مع خبرها سادةٌ مسدَّ مفعولي يعلموا، وقيل : المعنى فله، وإنّ تكريرٌ للأولى تأكيداً لطول العهدِ لا من باب التأكيدِ اللفظيِّ المانعِ للأولى من العمل، ودخولُ الفاءِ كما في قول من قال :
لقد علم الحيُّ اليمانُونَ أنني... إذا قلتُ : أما بعدُ، أني خطيبُها
وقد جوّز أن يكون فإن له معطوفاً على أنه، وجوابُ الشرط محذوفٌ تقديرُه ألم يعلموا أنه من يحاددِ الله ورسولَه يهلِكْ فإن له الخ، ورُدّ بأن ذلك إنما يجوز عند كونِ فعلِ الشرط ماضياً أو مضارعاً مجزوماً بلم ﴿ خَالِداً فِيهَا ﴾ حالٌ مقدّرةٌ من الضمير المجرورِ إن اعتُبر في الظرف ابتداءُ الاستقرار وحدوثُه وإن اعتبر مطلقُ الاستقرارِ فالأمرُ ظاهر ﴿ ذلك ﴾ أشير إلى ما ذكر من العذاب الخالدِ بذلك إيذاناً ببُعد درجتِه في الهول والفظاعةِ ﴿ الخزى العظيم ﴾ الخزيُ الذلُّ والهوانُ المقارِنُ للفضيحة والندامة، وهي ثمراتُ نفاقِهم حيث يفتضحون على رؤوس الأشهادِ بظهورها ولُحوقِ العذاب الخالدِ بهم، والجملةُ تذييلٌ لما سبق. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon