وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أَيْ : هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ عَلَى كَوْنِهِ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينِ آمَنُوا مِنْكُمْ إِيمَانًا صَحِيحًا صَادِقًا ؛ إِذْ كَانَ سَبَبَ إِيمَانِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ إِلَى مَا فِيهِ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، دُونَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكَفْرَ مُنَافِقًا فَهُوَ نِقْمَةٌ عَلَيْهِ فِي الدَّارَيْنِ، كَمَا قَالَ : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢ : ٢١٨) وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ. وَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي الْإِيمَانَ كَانَ قَوْلُهُ :(مِنْكُمْ) تَعْرِيضًا بِغَيْرِ الصَّادِقِينَ مِنْهُمْ لَا تَصْرِيحًا. وَفَائِدَتُهُ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الرَّسُولَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَالِمٌ بِأَنَّ مِنْهُمْ مُنَافِقِينَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَعْيَانَهُمْ وَأَشْخَاصَهُمْ، وَيَخْشَى أَنْ يُخْبِرَهُ رَبُّهُ بِهِمْ وَيَكْشِفَ لَهُ عَنْ أَسْرَارِ قُلُوبِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ (٦٤) وَقِيلَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينِ آمَنُوا مِنْهُمُ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَإِنَّهُ رَحْمَةٌ لَهُمْ بِقَبُولِ ظَوَاهِرِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ بِهَا مُعَامَلَةَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ : لِلَّذِينِ آمَنُوا فَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْفِعْلِ، وَلَمْ يَقُلِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَصْفِ، وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ. وَكَثِيرًا مَا نَاطَ التَّنْزِيلُ الْجَزَاءَ عَلَى الْإِيمَانِ بِالتَّعْبِيرِ عَنْ أَهْلِهِ