بِالْفِعْلِ الْمَاضِي.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ (وَرَحْمَةٍ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى (خَيْرٍ) قِيلَ فِي مَعْنَاهُ : أَيْ : هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ وَرَحْمَةٍ لَكُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا لَمَا فُصِلَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ بِقَوْلِهِ : يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ بَلْ هُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ، وَالتَّقْدِيرُ : أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ كَافَّةً. وَأُذُنُ رَحْمَةٍ لِلَّذِينِ آمَنُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، فَكُلُّ مَا فِي اخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ أَنَّ لِينَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلُطْفَهُ وَإِلْقَاءَهُ السَّمْعَ إِلَى مُحَدِّثِهِ، وَعَدَمَ مُعَامَلَتِهِ بِمُقْتَضَى سِرِّهِ وَسَرِيرَتِهِ، هُوَ خَيْرٌ لِلْمُنَافِقِينَ مِنْ عَدَمِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُعَامِلَهُمْ بِمَا يُخْفُونَ مِنَ الْكُفْرِ لَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِقَطْعِ رِقَابِهِمْ، وَبَقَاؤُهُمْ خَيْرٌ لَهُمْ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ لَفْظِ الْخَيْرِ، وَخَيْرٌ لَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ إِمْهَالٌ لَهُمْ يُرْجَى أَنْ يَتُوبَ بِسَبَبِهِ مَنْ فِيهِ اسْتِعْدَادٌ لِلْإِيمَانِ مِنْهُمْ بِمَا يَرَاهُ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَتَأْيِيدِهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، فَالْخَيْرِيَّةُ
دُنْيَوِيَّةٌ وَهِيَ لِلْجَمِيعِ، وَالرَّحْمَةُ دُنْيَوِيَّةٌ وَأُخْرَوِيَّةٌ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا إِرْسَالُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ ؛ فَالْمُرَادُ بِهِ عُمُومُ دَعْوَتِهِ وَهِدَايَتِهِ، لَا أَنَّهُ رَحْمَةٌ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ كَمَنْ آمَنَ بِهِ.