وعندما أراد العلماء تفسير هذه الآية قالوا :﴿ يُحَادِدِ ﴾ تعني : يعادي، وقالوا : بمعنى يشاقق ؛ أي : يجعل نفسه في شق والله ورسوله ودينه في شق آخر. أو : يحارب دين الله فيكون هو في وجهة ودين الله في وجهة أخرى. وهناك علاقة بين كلمة " يحارب " وكلمة " حد "، فحدُّ السيف هو الجزء القاطع منه الذي يفصل أي شيء يقطعه إلى جزءين، فكأن الذي يحادد هو من يحارب منهج الله ورسوله. فهو لا يكفر بالله فقط، ولكنه يحمل السلاح ليجعل خلق الله يكفرون أيضاً.
والحق سبحانه وتعالى يريد من المؤمنين أن يكونوا دائماً في جانب الإيمان، وألا يقيموا حدّاً بينهم وبين الإيمان به. والأحكام الشرعية تسمى حدوداً، أي : أن كل حكم قد وضع ليحدد حدّاً من حدود الله، تحفظ به الحقوق والأوامر.
ومنهج الله إما أن يكون أوامر، وإما أن يكون نواهي ؛ لأن منهج الدين كلمة في " افعل " و " لاتفعل "، ويضع الحق سبحانه وتعالى عقاباً لمن يتعدى حدوده سبحانه، فيقول سبحانه :﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا... ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ]
ويقول :﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا... ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ]
ويسأل بعض الناس : ما الفرق بين اللفظين ﴿ تَعْتَدُوهَا ﴾ و ﴿ تَقْرَبُوهَا ﴾.
ونقول إذا كانت هناك أوامر فلا تتعد الأمر، وإذا كانت هناك نواهٍ فلا تقترب من المنهي عنه.
ونلحظ أن الحق سبحانه وتعالى حين نهى آدم وحواء عن الأكل من الشجرة المحرمة لم يقل : لا تأكلا من الشجرة، بل قال :﴿ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة... ﴾ [ الأعراف : ١٩ ]
وبذلك أباح سبحانه الأكل من كل ثمار الجن، ولكنه أمر ﴿ وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة ﴾ لأن القرب من هذه الشجرة إغراء بالمعصية ؛ فقد يعجبهما منظر الثمرة. وقد تغريهما رائحتها، وقد يفتنهما لونها. ولكن عندما لا يقتربان من هذه المغريات كلها فهما يحميان نفسيهما من المعصية.