وقال القرطبى :
﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (٦٤) ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى قوله تعالى :﴿ يَحْذَرُ المنافقون ﴾ خبر وليس بأمر.
ويدلّ على أنه خبر أن ما بعده "إنَّ الله مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرونَ" لأنهم كفروا عِناداً.
وقال السّديّ : قال بعض المنافقين والله ودِدت لو أني قدّمت فجلدت مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا ؛ فنزلت الآية :﴿ يَحْذَرُ ﴾ أي يتحرّز.
وقال الزجاج : معناه ليَحْذَر ؛ فهو أمر ؛ كما يُقال : يفعل ذلك.
الثانية قوله تعالى :﴿ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ﴾ "أنْ" في موضع نصب، أي من أن تنزّل.
ويجوز على قول سيبويه أن تكون في موضع خفض على حذف من.
ويجوز أن تكون في موضع نصب مفعولة ليحذر ؛ لأن سيبويه أجاز : حذِرت زيداً ؛ وأنشد :
حَذِرٌ أُموراً لا تَضِير وآمِنٌ...
ما ليس مُنْجِيَه من الأقدار
ولم يُجِزه الْمُبّرد ؛ لأن الحذر شيء في الهيئة.
ومعنى "عَلَيْهِمْ" أي على المؤمنين ﴿ سُورَةٌ ﴾ في شأن المنافقين تخبرهم بمخازيهم ومساويهم ومثالبهم ؛ ولهذا سُمِّيت الفاضحة والمثيرة والمبعثرة، كما تقدّم أوّل السورة.
وقال الحسن : كان المسلمون يسمّون هذه السورة الحفّارة لأنها حفرت ما في قلوب المنافقين فأظهرته.
الثالثة قوله تعالى :﴿ قُلِ استهزءوا ﴾ هذا أمرُ وعيدٍ وتهديد.
﴿ إِنَّ الله مُخْرِجٌ ﴾ أي مظهر ﴿ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ ظهوره.
قال ابن عباس : أنزل الله أسماء المنافقين وكانوا سبعين رجلاً، ثم نَسخ تلك الأسماء من القرآن رأفة منه ورحمة ؛ لأن أولادهم كانوا مسلمين والناس يعيّر بعضهم بعضاً.
فعلى هذا قد أنجز الله وعده بإظهاره ذلك إذ قال :"إنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ".