وقال القرطبى :
﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ﴾
بيّن تعالى أن في المنافقين من كان يبسط لسانه بالوقيعة في أذِيّة النبيّ ﷺ ويقول : إن عاتبني حلفتُ له بأني ما قلت هذا فيقبله ؛ فإنه أُذُنٌ سامعة.
قال الجوهري : يُقال رجل أُذن إذا كان يسمع مقال كل أحد ؛ يستوي فيه الواحد والجمع.
وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ هُوَ أُذُنٌ ﴾ قال : مستمع وقابل.
وهذه الآية نزلت في عَتّاب بن قُشير، قال : إنما محمد أُذن يقبل كل ما قيل له.
وقيل : هو نَبْتَل بن الحارث ؛ قاله ابن إسحاق.
وكان نبتل رجلاً جسيماً ثائَر شعر الرأس واللحية، آدمَ أحمر العينين أسفعَ الخدّين مشوّه الخِلْقة، وهو الذي قال فيه النبيّ ﷺ :" من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نَبْتَل بن الحارث " السّفعة ( بالضم ) : سواد مُشْرَب بحمرة.
والرجل أسفع ؛ عند الجوهري.
وقرىء "أُذن" بضم الذال وسكونها.
﴿ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ﴾ أي هو أذن خير لا أذن شرّ ؛ أي يسمع الخير ولا يسمع الشر.
وقرأ "قل أُذنٌ خيرٌ لكم" بالرفع والتنوين، الحسنُ وعاصم في رواية أبي بكر.
والباقون بالإضافة، وقرأ حمزة "ورحمةٍ" بالخفض.
والباقون بالرفع عطف على "أذن"، والتقدير : قل هو أذن خير وهو رحمة، أي هو مستمع خير لا مستمع شر، أي هو مستمع ما يحب استماعه، وهو رحمة.
ومن خفض فعلى العطف على "خيرٍ".
قال النحاس : وهذا عند أهل العربية بعيد : لأنه قد تباعد ما بين الاسمين، وهذا يقبح في المخفوض.
المهدوِيّ : ومن جر الرحمة فعلى العطف على "خير" والمعنى مستمعُ خير ومستمع رحمة ؛ لأن الرحمة من الخير.
ولا يصح عطف الرحمة على المؤمنين ؛ لأن المعنى يصدّق بالله ويصدّق المؤمنين ؛ فاللام زائدة في قول الكوفيين.
ومثله ﴿ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٤ ] أي يرهبون ربهم.


الصفحة التالية
Icon