وقال ابن عاشور :
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) ﴾
الظاهر أنّها معطوفة على جملة :﴿ يحلفون بالله لكم ليرضوكم ﴾ [ التوبة : ٦٢ ] أو على جملة ﴿ ومنهم الذين يؤذون النبي ﴾ [ التوبة : ٦١ ]، فيكون المراد بجملة :﴿ يحلفون بالله لكم ﴾ [ التوبة : ٦٢ ] أنّهم يحلفون إن لم تسألهم.
فالحلف الصادر منهم حلف على الأعمّ من براءتهم من النفاق والطعن، وجواب السؤال عن أمور خاصّة يُتهمون بها جواب يراد منه أنّ ما صدر منهم ليس من جنس ما يُتّهمون به، فإذا سئلوا عن حديث يجري بينهم يستراب منهم أجابوا بأنّه خوض ولعب، يريدون أنّه استجمام للراحة بين أتعاب السفر لما يحتاجه الكادُّ عملاً شاقّاً من الراحة بالمزح واللعب.
وروي أنّ المقصود من هذه الآية : أنّ ركباً من المنافقين الذين خرجوا في غزوة تبوك نفاقاً، منهم : وديعةُ بن ثابت العَوْفي، ومخشي بن حُمَيِّر الأشجعي، حليف بني سَلِمة، وقفوا على عَقَبَة في الطريق ينظرون جيش المسلمين فقالوا انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح حصون الشام هيهات هيهات فسألهم النبي ﷺ عن مناجاتهم فأجابوا "إنّما كنّا نخوض ونلعب".
وعندي أنّ هذا لا يتّجه لأنّ صيغة الشرط مستقبلة فالآية نزلت فيما هو أعمّ، ممّا يسألون عنه في المستقبل، إخباراً بما سيجيبون، فهم يسألون عمّا يتحدّثون في مجالسهم ونواديهم، التي ذكرها الله تعالى في قوله :﴿ وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ﴾ [ البقرة : ١٤ ] لأنّهم كانوا كثيري الإنفراد عن مجالس المسلمين.
وحذف متعلّق السؤال لظهوره من قرينة قوله :﴿ إنما كنا نخوض ونلعب ﴾.
والتقدير : ولئن سألتهم عن حديثهم في خلواتهم، أعلم الله رسوله بذلك وفيه شيء من دلائل النبوءة.