فصل


قال الفخر :
﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ﴾
اعلم أن هذه الآية تدل على أن أقواماً من المنافقين، قالوا كلمات فاسدة، ثم لما قيل لهم إنكم ذكرتم هذه الكلمات خافوا، وحلفوا أنهم ما قالوا، والمفسرون ذكروا في أسباب النزول وجوهاً : الأول : روي أن النبي ﷺ أقام في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن، ويعيب المنافقين المتخلفين.
فقال الجلاس بن سويد : والله لئن كان ما يقوله محمد في إخواننا الذين خلفناهم في المدينة حقاً مع أنهم أشرافنا، فنحن شر من الحمير، فقال عامر بن قيس الأنصاري للجلاس : أجل والله إن محمداً صادق، وأنت شر من الحمار.
وبلغ ذلك إلى رسول الله ﷺ، فاستحضر الجلاس، فحلف بالله أنه ما قال، فرفع عامر يده وقال : اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب، فنزلت هذه الآية.
فقال الجلاس : لقد ذكر الله التوبة في هذه الآية، ولقد قلت هذا الكلام وصدق عامر، فتاب الجلاس، وحسنت توبته.
الثاني : روي أنها نزلت في عبد الله بن أبي لما قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وأراد به الرسول صلى الله عليه وسلم.
فسمع زيد بن أرقم ذلك وبلغه إلى الرسول، فهم عمر بقتل عبد الله بن أبي، فجاء عبد الله وحلف أنه لم يقل، فنزلت هذه الآية.
الثالث : روى قتادة أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار، فظهر الغفاري على الجهيني، فنادى عبد الله بن أبي : يا بني الأوس انصروا أخاكم، والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قيل : سمن كلبك يأكلك.
فذكروه للرسول عليه السلام، فأنكر عبد الله، وجعل يحلف.


الصفحة التالية
Icon