والجواب : المنافق قد يكون عارفاً بالله، إلا أنه كان منكراً لنبوة محمد عليه السلام، فلكونه عارفاً بالله يمكنه أن يعاهد الله، ولكونه منكراً لنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، كان كافراً.
وكيف لا أقول ذلك وأكثر هذا العالم مقرون بوجود الصانع القادر ؟ ويقل في أصناف الكفار من ينكره، والكل معترفون بأنه تعالى هو الذي يفتح على الإنسان أبواب الخيرات، ويعلمون أنه يمكن التقرب إليه بالطاعات وأعمال البر والإحسان إلى الخلق، فهذه أمور متفق عليها بين الأكثرين، وأيضاً فلعله حين عاهد الله تعالى بهذا العهد كان مسلماً، ثم لما بخل بالمال، ولم يف بالعهد صار منافقاً، ولفظ الآية مشعر بما ذكرناه حيث قال :﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً ﴾.
السؤال الثاني : هل من شرط هذه المعاهدة أن يحصل التلفظ بها باللسان، أو لا حاجة إلى التلفظ حتى لو نواه بقلبه دخل تحت هذه المعاهدة ؟
الجواب : منهم من قال : كل ما ذكره باللسان أو لم يذكره، ولكن نواه بقلبه فهو داخل في هذا العهد.
يروى عن المعتمر بن سليمان قال : أصابتنا ريح شديدة في البحر، فنذر قوم منا أنواعاً من النذور، ونويت أنا شيئاً وما تكلمت به، فلما قدمت البصرة سألت أبي، فقال : يا بني ف به.
وقال أصحاب هذا القول إن قوله :﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله﴾ كان شيئاً نووه في أنفسهم، ألا ترى أنه تعالى قال :﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ وقال المحققون : هذه المعاهدة مقيدة بما إذا حصل التلفظ بها باللسان، والدليل عليه قوله عليه السلام :" إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به نفوسها ولم يتلفظوا به " أو لفظ هذا معناه وأيضاً فقوله تعالى :﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله لَئِنْ ءاتانا الله مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ إخبار عن تكلمه بهذا القول، وظاهره مشعر بالقول باللسان.