فصل


قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قوله :﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً﴾ فعل ولا بد من إسناده إلى شيء تقدم ذكره.
والذي تقدم ذكره هو الله جل ذكره، والمعاهدة والتصدق والصلاح والبخل والتولي والإعراض ولا يجوز إسناد أعقاب النفاق إلى المعاهدة أو التصدق أو الصلاح، لأن هذه الثلاثة أعمال الخير فلا يجوز جعلها مؤثره في حصول النفاق، ولا يجوز إسناد هذا الإعقاب إلى البخل والتولي والإعراض، لأن حاصل هذه الثلاثة كونه تاركاً لأداء الواجب وذلك لا يمكن جعله مؤثراً في حصول النفاق في القلب، لأن ذلك النفاق عبارة عن الكفر وهو جهل وترك بعض الواجب لا يجوز أن يكون مؤثراً في حصول الجهل في القلب.
أما أولاً : فلأن ترك الواجب عدم، والجهل وجود العدم لا يكون مؤثراً في الوجود.
وأما ثانياً : فلأن هذا البخل والتولي والإعراض قد يوجد في حق كثير من الفساق، مع أنه لا يحصل معه النفاق.
وأما ثالثاً : فلأن هذا الترك لو أوجب حصول الكفر في القلب لأوجبه سواء كان هذا الترك جائزاً شرعاً أو كان محرماً شرعاً، لأن سبب اختلاف الأحكام الشرعية لا يخرج المؤثر عن كونه مؤثراً.
وأما رابعاً : فلأنه تعالى قال بعد هذه الآية ﴿بِمَا أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾ فلو كان فعل الأعقاب مسند إلى البخل والتولي والإعراض لصار تقدير الآية فأعقبهم بخلهم وإعراضهم وتوليهم نفاقاً في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون، وذلك لا يجوز، لأنه فرق بين التولي وحصول النفاق في القلب بسبب التولي ومعلوم أنه كلام باطل.


الصفحة التالية
Icon