وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
هذه الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب الأنصاري، وقال الحسن : وفي معتب بن قشير معه، واختصار ما ذكره الطبري وغيره من أمره " أنه جاء رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعل لي مالاً فإني لو كنت ذا مال لقضيب حقوقه وفعلت فيه الخير، فراده رسول الله ﷺ وقال : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، فعاود فقال له النبي ﷺ ألا تريد أن تكون مثل رسول الله ﷺ ولو دعوت الله أن يسير الجبال معي ذهباً لسارت، فأعاد عليه حتى دعا له رسول الله ﷺ بذلك، فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة، فتنحى عنها وكثرت غنمه، فكان لا يصلي إلا الجمعة ثم كثرت حتى تنحى بعيداً ونجم نفاقه، ونزل خلال ذلك فرض الزكاة على رسول الله ﷺ، فبعث مصدقين بكتابه في أخذ زكاة الغنم، فلما بلغوا ثعلبة وقرأ الكتاب قال : هذه أخت الجزية، ثم قال لهم : دعوني حتى أرى رأيي، فلما أتوا رسول الله ﷺ وأخبروه، قال " ويح ثعلبة " ثلاثاً، ونزلت الآية فيه، فحضر القصة قريب لثعلبة فخرج إليه فقال أدرك أمرك، فقد نزل كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول الله ﷺ فرغب أن يؤدي زكاته فأعرض عنه رسول الله ﷺ، وقال إن أمرني الله أن لا آخذ زكاتك "، فبقي كذلك حتى توفي رسول الله ﷺ، ثم ورد ثعلبة على أبي بكر ثم على عمر ثم على عثمان يرغب إلى كل واحد منهم أن يأخذ منه الزكاة، فكلهم رد ذلك وأباه اقتداء برسول الله ﷺ، فبقي ثعلبة كذلك حتى هلك في مدة عثمان. وفي قوله تعالى :﴿ فأعقبهم ﴾ نص المعاقبة على الذنب بما هو أشد منه، وقوله :﴿ إلى يوم يلقونه ﴾ يقتضي موافاتهم على النفاق، ولذلك لم يقبل الخلفاء رضي الله عنهم رجوع ثعلبة لشهادة القرآن عليه بالموافاة،