وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصَّدقنّ ولنكوننّ من الصالحين ﴾
قال الضحاك : هم نبتل بن الحرث، وجد بن قيس، ومعتب بن قشير، وثعلبة بن حاطب، وفيهم نزلت الآية.
وقال الحسن ومجاهد : في معتب وثعلبة خرجا على ملأ فقالا ذلك.
وقال ابن السائب : في رجل من بني عمرو بن عوف كان له مال بالشام فأبطأ عنه، فجهد لذلك جهداً شديداً، فحلف بالله لئن آتانا من فضله أي من ذلك المال لأصدقن منه ولأصلن، فآتاه فلم يفعل.
والأكثر على أنها نزلت في ثعلبة، وذكروا له حديثاً طويلاً وقد لخصت منه : أنه سأل الرسول ( ﷺ ) أن يدعو الله أن يرزقه مالاً فقيل له : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، فألح عليه، فدعا الله، فاتخذ غنماً كثرت حتى ضاقت عنها المدينة، فنزل وادياً وما زالت تنمو، واشتغل بها حتى ترك الصلوات، وبعث إليه الرسول ( ﷺ ) المصدق فقال : ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، فنزلت هذه الآية.
فأخبره قريب له بها، فجاء بصدقته إلى الرسول فلم يقبلها، فلما قبض الرسول أتى أبا بكر فلم يقبلها، ثم عمر فلم يقبلها، ثم عثمان فلم يقبلها، وهلك في أيام عثمان.
وقرأ الأعمش : لنصدقنّ ولنكوننّ بالنون الخفيفة فيهما، والظاهر والمستفيض من أسباب النزول أنهم نطقوا بذلك ولفظوا به.
وقال معبد بن ثابت وفرقة : لم يتلفظوا به، وإنما هو شيء نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به، ألم تسمع إلى قوله :﴿ ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم ﴾ "من الصالحين" : أي من أهل الصلاح في أموالهم بصلة الرحم والإنفاق في الخير والحج وأعمال البر.
وقيل : من المؤمنين في طلب الآخرة.
بخلوا به أي : بإخراج حقه منه، وكلُّ بخل أعقب بوعيد فهو عبارة عن منع الحق الواجب.
والظاهر أنّ الضمير في فأعقبهم هو عائد على الله، عاقبهم على الذنب بما هو أشد منه.