والنوع الثالث : من المواعيد التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية قوله :﴿ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ﴾ والمعنى أن رضوان الله أكبر من كل ما سلف ذكره، واعلم أن هذا هو البرهان القاطع على أن السعادات الروحانية أشرف وأعلى من السعادات الجسمانية، وذلك لأنه إما أن يكون الابتهاج بكون مولاه راضياً عنه، وأن يتوسل بذلك الرضا إلى شيء من اللذات الجسمانية أو ليس الأمر كذلك، بل علمه بكونه راضياً عنه يوجب الابتهاج والسعادة لذاته من غير أن يتوسل به إلى مطلوب آخر، والأول باطل، لأن ما كان وسيلة إلى الشيء لا يكون أعلى حالاً من ذلك المقصود، فلو كان المقصود من رضوان الله أن يتوسل به إلى اللذات التي أعدها الله في الجنة من الأكل والشرب لكان الابتهاج بالرضوان ابتهاجاً بحصول الوسيلة.
ولكان الابتهاج بتلك اللذات ابتهاجاً بالمقصود، وقد ذكرنا أن الابتهاج بالوسيلة لا بد وأن يكون أقل حالاً من الابتهاج بالمقصود.
فوجب أن يكون رضوان الله أقل حالاً وأدون مرتبة من الفوز بالجنات والمساكن الطيبة، لكن الأمر ليس كذلك، لأنه تعالى نص على أن الفوز بالرضوان أعلى وأعظم وأجل وأكبر، وذلك دليل قاطع على أن السعادات الروحانية أكمل وأشرف من السعادات الجسمانية.
واعلم أن المذهب الصحيح الحق وجوب الإقرار بهما معاً كما جمع الله بينهما في هذه الآية.
ولما ذكر تعالى هذه الأمور الثلاثة قال :﴿ذلك هُوَ الفوز العظيم﴾ وفيه وجهان : الأول : أن الإنسان مخلوق من جوهرين، لطيف علوي روحاني، وكثيف سفلي جسماني وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة، فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية كانت الروح فائزة بالسعادات اللائقة بها، والجسد واصلاً إلى السعادات اللائقة به، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم.
الثاني : أنه تعالى بين في وصفه المنافقين أنهم تشبهوا بالكفار الذين كانوا قبلهم في التنعم بالدنيا وطيباتها.