وقال ابن عطية :
قوله ﴿ الذين يلمزون ﴾
رد على الضمائر في قول ﴿ يكذبون ﴾ [ التوبة : ٧٧ ] و﴿ ألم يعلموا ﴾ [ التوبة : ٨٧ ] و﴿ سرهم ونجواهم ﴾ [ التوبة : ٧٨ ] و﴿ يلمزون ﴾ معناه ينالون بألسنتهم، وقرأ السبعة " يلمِزون " بكسر الميم، وقرأ الحسن وأبو رجاء ويعقوب وابن كثير فيما روي عنه " يلمُزون " بضم الميم، و﴿ المطوعين ﴾ لفظة عموم في كل متصدق، والمراد به الخصوص فيمن تصدق بكثير دل على ذلك قوله، عطفاً على ﴿ المطوعين ﴾، ﴿ والذين لا يجدون ﴾، ولو كان ﴿ الذين لا يجدون ﴾ قد دخلوا في ﴿ المطوعين ﴾ لما ساغ عطف الشيء على نفسه، وهذا قول أبي علي الفارسي في قوله عز وجل :﴿ من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] فإنه قال المراد بالملائكة من عدا هذين.
وكذلك قال في قوله :﴿ فيهما فاكهة ونخل ورمان ﴾ [ الرحمن : ٦٨ ] وفي هذا كله نظر، لأن التكرار لقصد التشريف يسوغ هذا مع تجوز العرب في كلامها، وأصل ﴿ المطوعين ﴾ المتطوعين فأبدل التاء طاء وأدغم، وأما المتصدق بكثير الذي كان سبباً للآية فأكثر الروايات " أنه عبد الرحمن بن عوف، تصدق بأربعة آلاف وأمسك مثلها، فقال له النبي ﷺ، بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أنفقت ".
وقيل هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصدق بنصف ماله، وقيل عاصم بن عدي تصدق بمائة وسق، وأما المتصدق بقليل فهو أبو عقيل حبحاب الأراشي، تصدق بصاع من تمر وقال يا رسول الله جررت البارحة بالجرير وأخذت صاعين تركت أحدهما لعيالي وأتيت بالآخر صدقة.
فقال المنافقون : الله غني عن صدقة هذا، وقال بعضهم : إن الله غني عن صاع أبي عقيل، وقيل : إن الذي لمز في القليل أبو خيثمة، قاله كعب بن مالك صاحب النبي صى الله عليه وسلم، وتصدق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف، وقيل بأربعمائة أوقية من فضة، وقيل أقل من هذا.


الصفحة التالية
Icon