فصل


قال الفخر :
﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾
اعلم أن هذا نوع آخر من قبائح أعمال المنافقين، وهو فرحهم بالقعود وكراهتهم الجهاد قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، والمخلف المتروك ممن مضى.
فإن قيل : إنهم احتالوا حتى تخلفوا، فكان الأولى أن يقال فرح المتخلفون.
والجواب من وجوه : الأول : أن الرسول عليه السلام منع أقواماً من الخروج معه لعلمه بأنهم يفسدون ويشوشون، فهؤلاء كانوا مخلفين لا متخلفين.
والثاني : أن أولئك المتخلفين صاروا مخلفين في الآية التي تأتي بعد هذه الآية، وهي قوله :﴿فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تقاتلوا مَعِىَ عَدُوّاً﴾ [ التوبة : ٨٣ ] فلما منعهم الله تعالى من الخروج معه صاروا بهذا السبب مخلفين.
الثالث : أن من يتخلف عن الرسول عليه السلام بعد خروجه إلى الجهاد مع المؤمنين يوصف بأنه مخلف من حيث لم ينهض فبقي وأقام.
وقوله :﴿بِمَقْعَدِهِمْ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد المدينة، فعلى هذا المقعد اسم للمكان.
وقال مقاتل :﴿بِمَقْعَدِهِمْ﴾ بقعودهم وعلى هذا، هو اسم للمصدر.
وقوله :﴿خلاف رَسُولِ الله﴾ فيه قولان : الأول : وهو قول قطرب والمؤرج والزجاج، يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا.
قالوا : وهو منصوب لأنه مفعول له، والمعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon