وقال أبو حيان :
﴿ فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ﴾
لما ذكر تعالى ما ظهر من النفاق والهزء من الذين خرجوا معه إلى غزوة تبوك من المنافقين، ذكر حال المنافقين الذين لم يخرجوا معه وتخلفوا عن الجهاد، واعتذروا بأعذار وعلل كاذبة، حتى أذن لهم، فكشف الله للرسول ( ﷺ ) عن أحوالهم وأعلمه بسوء فعالهم، فأنزل الله عليه : فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله الآية : أي : عن غزوة تبوك.
وكان الرسول قد خلفهم بالمدينة لما اعتذروا، فأذن لهم.
وهذه الآية تقتضي التوبيخ والوعيد.
ولفظة المخلفون تقتضي الذم والتحقير، ولذلك جاء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وهي أمكن من لفظة المتخلفين، إذ هم مفعول بهم ذلك، ولم يفرح إلا منافق فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر.
ولفظ المقعد يكون للزمان والمكان، والمصدر وهو هنا للمصدر أي : بقعودهم، وهو عبارة عن الإقامة بالمدينة.
وانتصب خلاف على الظرف، أي بعد رسول الله ( ﷺ ) يقال : فلان أقام خلاف الحي، أي بعدهم.
إذا ظعنوا ولم يظعن معهم.
قاله أبو عبيدة، والأخفش، وعيسى بن عمرو.
قال الشاعر :
عقب الربيع خلافهم فكأنما...
بسط السواطب بينهنّ حصيرا
ومنه قول الشاعر :
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى...
تأهب لأخرى مثلها وكأن قد
ويؤيد هذا التأويل : قراءة ابن عباس، وأبي حيوة، وعمرو بن ميمون خلف رسول الله.
وقال قطرب، ومؤرج، والزجاج، والطبري : انتصب خلاف على أنه مفعول لأجله أي : لمخالفة رسول الله، لأنهم خالفوه حيث نهض للجهاد وقعدوا.
ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ خُلف بضم الخاء، وما تظاهرت به الروايات من أنه أمرهم بالنفر فغضبوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين وغير مستأذنين، وكراهتهم للجهاد هي لكونهم لا يرجون به ثواباً، ولا يدفعون بزعمهم عنهم عقاباً.
وفي قوله : فرح وكرهوا مقابلة معنوية، لأن الفرح من ثمرات المحبة.